القائمة الرئيسية

الصفحات



تمت مراجعة هذا المقال في المدونة الجديدة للإطلاع عليه أضغط على زر زيارة المقال أسفله

زيارة المقال


النسخة القديمة من المقال


الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، والصلاة والسلام على الداعية إلى ربه بإذنه، والهادي إلى صراط مستقيم، وبعد

بينا في مقال سابق أن الإسلام تسليم النفس الله عز وجل، بحيث يكون كل شيء له وحده لا شريك الله، واليوم سوف نتحدث إن شاء الله عن شروط هذا التسليم الابتدائية التي لا يكون الإسلام صحيحا إلا بها فأقول.

إن الباحث في كتاب الله عز وجل وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، يجد أنه لا بد من تحقق شرطين ابتدائيين ليكون الإسلام صحيحا وهما :

الشرط الأول عدم الإكراه: فالذي يسلم خوفا أو مكرها، لم يسلم أصلا، كما أن الذي يكفر مكرها لا يكون كافرا، والأدلة على ذلك :

ا- قوله جل وعلا: 

﴿لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم﴾

وجه الاستدلال صريح الآية التي نصت أنه لا يمكن أن يكون الدين بالإكراه.

ب- قوله سبحانه:

﴿فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون﴾

وجه الاستدلال أن من لم يشرح الله صدره للإسلام لم يهده الله ومن ثم لم يسلم ولو ادعى الإسلام مكرها. 

ج- حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه:

ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻇﺒﻴﺎﻥ ﺣﺼﻴﻦ ﺑﻦ ﺟﻨﺪﺏ، ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﺃﺳﺎﻣﺔ ﺑﻦ ﺯﻳﺪ ﻳﺤﺪﺙ، ﻗﺎﻝ:

«ﺑﻌﺜﻨﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺇﻟﻰ اﻟﺤﺮﻗﺔ، ﻣﻦ ﺟﻬﻴﻨﺔ، ﻗﺎﻝ: ﻓﺼﺒﺤﻨﺎﻫﻢ، ﻓﻘﺎﺗﻠﻨﺎﻫﻢ، ﻓﻜﺎﻥ ﻣﻨﻬﻢ ﺭﺟﻞ، ﺇﺫا ﺃﻗﺒﻞ اﻟﻘﻮﻡ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﺷﺪﻫﻢ ﻋﻠﻴﻨﺎ، ﻭﺇﺫا ﺃﺩﺑﺮﻭا ﻛﺎﻥ ﺣﺎﻣﻴﺘﻬﻢ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻐﺸﻴﺘﻪ، ﺃﻧﺎ ﻭﺭﺟﻞ ﻣﻦ اﻷﻧﺼﺎﺭ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻠﻤﺎ ﻏﺸﻴﻨﺎﻩ، ﻗﺎﻝ: ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ، ﻓﻜﻒ ﻋﻨﻪ اﻷﻧﺼﺎﺭﻱ، ﻭﻗﺘﻠﺘﻪ، ﻓﺒﻠﻎ ﺫﻟﻚ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﺃﺳﺎﻣﺔ، ﺃﻗﺘﻠﺘﻪ ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﻗﺎﻝ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ؟ ﻗﺎﻝ: ﻗﻠﺖ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﺇﻧﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﺘﻌﻮﺫا ﻣﻦ اﻟﻘﺘﻞ، ﻓﻜﺮﺭﻫﺎ ﻋﻠﻲ، ﺣﺘﻰ ﺗﻤﻨﻴﺖ ﺃﻧﻲ ﻟﻢ ﺃﻛﻦ ﺃﺳﻠﻤﺖ ﺇﻻ ﻳﻮﻣﺌﺬ».

الحديث برواياته وتخريجه ورواته تجده هنا.

الحديث صحيح متفق على صحته، ووجه الاستدلال فيه أنه لو ثبت أن الرجل كان متعوذا لما لام رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة، ولما صح إسلام القتيل، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا شققت عن قلبه، ولم يقل وإن كان متعوذا.

يقول بعض المستشرقين أن الإسلام انتشر بحد السيف وأن من دخل فيه إنما كان مكرها، وتبعهم في دعواهم من يجهلون الإسلام في ذلك، وقد استدلوا جميعا بقوله صلى الله عليه وسلم:

أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إلا إله الله

الحديث وطرقه ورواته تجده هنا.

والحديث صحيح ولكنه لا يعني ما قالوا، فإذا نظر إلى عمل النبي صلى الله عليه وسلم وهو من قال الحديث نجده قاتل الكفار حتى يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون كما أمره ربه في قوله: 

﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون﴾

كما نجده في التعامل مع الفرد الكافر لا يلزمه باتباع الإسلام، ويؤمنه إن هو استجار به كما أمره ربه في قوله:

﴿وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون﴾

فالحديث إذا لا يتحدث عن الإكراه في الدين وإنما عن فرض هيمنة الإسلام على الأرض كلها كما أخبر ربنا عز وجل في قوله:

﴿وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير﴾

ولقد دخلت الشعوب المفتوحة بلادها في الإسلام طواعية لما رأت من عدل الإسلام وسمو المسلمين كما بينا في المقارنة بين الفتح الإسلامي والاستعمار الأوروبي.

الشرط الثاني القناعة: أي أن يكون الإسلام مرتكزا على أدلة وليس تقليدا، وهذا الشرط متفرع عن الشرط الأول وهو عدم الإكراه بحيث يكون إسلام المرء منبعث من قناعة المرء وليس تقليدا لأحد والدليل على ذلك حديث أسماء والذي نصه: 

ﻋﻦ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ اﻟﻤﻨﺬﺭ، ﻋﻦ ﺃﺳﻤﺎء ﺑﻨﺖ ﺃﺑﻲ ﺑﻜﺮ اﻟﺼﺪﻳﻖ، ﺃﻧﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ:

«ﺃﺗﻴﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ، ﺯﻭﺝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﺣﻴﻦ ﺧﺴﻔﺖ اﻟﺸﻤﺲ، ﻓﺈﺫا اﻟﻨﺎﺱ ﻗﻴﺎﻡ ﻳﺼﻠﻮﻥ، ﻭﺇﺫا ﻫﻲ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺗﺼﻠﻲ، ﻓﻘﻠﺖ: ﻣﺎ ﻟﻠﻨﺎﺱ؟ ﻓﺄﺷﺎﺭﺕ ﺑﻴﺪﻫﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﺴﻤﺎء، ﻭﻗﺎﻟﺖ: ﺳﺒﺤﺎﻥ اﻟﻠﻪ، ﻓﻘﻠﺖ: ﺁﻳﺔ؟ ﻓﺄﺷﺎﺭﺕ ﺑﺮاﺳﻬﺎ ﺃﻥ ﻧﻌﻢ، ﻗﺎﻟﺖ: ﻓﻘﻤﺖ ﺣﺘﻰ ﺗﺠﻼﻧﻲ اﻟﻐﺸﻲ، ﻭﺟﻌﻠﺖ ﺃﺻﺐ ﻓﻮﻕ ﺭاﺳﻲ اﻟﻤﺎء، ﻓﺤﻤﺪ اﻟﻠﻪ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺃﺛﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﻲء ﻛﻨﺖ ﻟﻢ ﺃﺭﻩ ﺇﻻ ﻭﻗﺪ ﺭﺃﻳﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻣﻲ ﻫﺬا، ﺣﺘﻰ اﻟﺠﻨﺔ ﻭاﻟﻨﺎﺭ، ﻭﻟﻘﺪ ﺃﻭﺣﻲ ﺇﻟﻲ ﺃﻧﻜﻢ ﺗﻔﺘﻨﻮﻥ ﻓﻲ اﻟﻘﺒﻮﺭ ﻣﺜﻞ، ﺃﻭ ﻗﺮﻳﺒﺎ ﻣﻦ ﻓﺘﻨﺔ اﻟﺪﺟﺎﻝ ـ ﻻ ﺃﺩﺭﻱ ﺃﻳﺘﻬﻤﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﺃﺳﻤﺎء ـ ﻳﺆﺗﻰ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﻓﻴﻘﺎﻝ ﻟﻪ: ﻣﺎ ﻋﻠﻤﻚ ﺑﻬﺬا اﻟﺮﺟﻞ؟ ﻓﺄﻣﺎ اﻟﻤﺆﻣﻦ، ﺃﻭ اﻟﻤﻮﻗﻦ ـ ﻻ ﺃﺩﺭﻱ ﺃﻱ ﺫﻟﻚ ﻗﺎﻟﺖ ﺃﺳﻤﺎء ـ ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﻫﻮ ﻣﺤﻤﺪ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﺟﺎءﻧﺎ ﺑﺎﻟﺒﻴﻨﺎﺕ ﻭاﻟﻬﺪﻯ، ﻓﺄﺟﺒﻨﺎ ﻭﺁﻣﻨﺎ ﻭاﺗﺒﻌﻨﺎ، ﻓﻴﻘﺎﻝ ﻟﻪ: ﻧﻢ ﺻﺎﻟﺤﺎ، ﻗﺪ ﻋﻠﻤﻨﺎ ﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﻟﻤﺆﻣﻨﺎ، ﻭﺃﻣﺎ اﻟﻤﻨﺎﻓﻖ، ﺃﻭ اﻟﻤﺮﺗﺎﺏ ـ ﻻ ﺃﺩﺭﻱ ﺃﻳﺘﻬﻤﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﺃﺳﻤﺎء ـ ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﻻ ﺃﺩﺭﻱ، ﺳﻤﻌﺖ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﺷﻴﺌﺎ ﻓﻘﻠﺘﻪ».

الحديث ورواياته وطرقه ورواته تجده هنا

الحديث صحيح متفق على صحته ووجه الاستدلال فيه أن المؤمن موقن بنى إيمانه على البينات والهدى فآمن لذلك، أما غير المؤمن فهو الذي يردد ما يقوله الناس، دون قناعة منه، فلا ينجيه مثلا أن يقول سمعت الناس تقول هو محمد بن عبد الله فقلت هو محمد بن عبد الله، لأن لم يبن إيمانه على يقين.

هذا الحديث يبين أنه لا يمكننا أن نرث الإسلام كما يتصور البعض، بل يجب أن يكون قناعة صاحبها بناها على البينات والهدى، وهذا مخالف لما يعتقده أغلب الناس اليوم حيث يرون أنهم مسلمون لكونهم ورثوا الإسلام، ويستدلون على ذلك بحديث الفطرة وأن آباءهم مسلمون والحقيقة أن الفطرة ليس كل الإسلام وإنما هي شهادة أن لا إله إلا الله لقول الحق سبحانه:

﴿فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾

وتبقى شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا يصح الإسلام بدونها يجب أن تكون مبنية على البينات والهدى وإلا لما صح الإسلام كما بين الحديث السابق.

author-img
داعية يحاول تقفي أثر الأنبياء في الدعوة

تعليقات

فهرست المقال