القائمة الرئيسية

الصفحات

عندما هجرنا تدبر القرآن المقال الثاني : الكذب على الله أعظم جرم




الحمد لله القائل في كتابه العزيز : الر. كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ. أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ، إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ، وصلى الله على من أوتي جوامع الكلم وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وبعد،

كما وعدت في المقال السابق من هذه السلسلة، أن أتحدث عن بعض النتائج الكارثية التي وقعنا فيها بعد هجر تدبر القرآن، أكتب اليوم عن ذنب كبير ليس الشرك والعياذ بالله إلا جزء منه للأسف الشديد وقعت فيه الأمة إلا من رحم ربي، وذلك عبر عدة مقالات أولها هذا الذي بين يدينا نتدبر فيه الآيات التي تتحدث عن هذا الذنب العظيم وما أعده الله يوم القيامة من عذاب أليم أجارنا الله وإياك أخي منه، ثم سأتحدث إن شاء الله في مقالات لاحقة عن أمثلة من الكذب على الله في صميم الملة وفي سائر العبادت حتى تراجع نفسك أخي الكريم وتتداركها قبل فوات الأوان.

الكذب على الله قول على الله بغير علم

لقد بين الله في كتابه العزيز عظم هذا الجرم وخطورته حيث أن الشرك وهو أكبر الكبائر ليس إلا جزءا من هذا الذنب العظيم، ولقد قطع الله الطريق على المتقولين الكذابين فلم يأذن لهم بالقول عليه بغير علم أو قول غير الحق، فلايمكنهم كما سنرى التهرب، ﻷن الآيات الواضحة المحكمة المتكررة في كتاب الله التي لا تقبل التأويل تسد عليهم الطريق  ولا تبقي لهم عذر كما سنرى إن شاء الله، ولكن رغم هذا كله لم تزل الأمة منذ عقود تمارس هذا الذنب العظيم دون أن تتنفع بهذا النور المبين الذي يتلى كل صباح ومساء، تماما كما لا ينتفع الأعمى بضوء النهار والله المستعان.

يقول الله سبحانه وتعالى مخاطبا اليهود موبخا ومقرعا لهم لكذبهم على الله سبحانه وتعالى : 
وَقالُوا: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً. قُلْ: أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ؟ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ؟ البقرة

والعجيب أننا نحن أيضا قلنا نفس المقالة ليس فقط دون عهد من الله بل تكذيبا ﻵيات كثيرة، وكأن في آذاننا وقر فلا نسمع هذه الآية وما فيها من شديد التوبيخ والاستنكار ﻷصحاب هذه المقالة.

عندما تواصل مع القرآن الكريم تجد أن هذا الذنب هو غاية ما يسعى الشيطان في إيقاعنا فيه حيث يقول الله سبحانه وتعالى : 

يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لاتَعْلَمُونَ (١٦٩) البقرة

فبدأ بالسوء ثم الفحش وهو أشد ثم ختم بالقول على الله ما لا نعلم، كما نجد ذات السياق في سورة الأعراف في شدة حرمة الكذب على الله حيث جعله أكبر من الشرك نفسه ﻷن الشرك ليس إلا صورة من صور القول على الله بغير علم فقال سبحانه : 

قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٣) الأعراف

والحقيقة أنه يصعب حصر الآيات التي تذم وتحرم القول على الله بغير علم، وسأكتفي بهذه الآية التي تصف حال أغلب الأمة اليوم للأسف الشديد وهي تتحدث عن سلفهم من بني إسرائيل تماما وذلك لبيان الميثاق الذي اخذه الله علينا وعلى من قبلنا في أن لا نقول على الله إلا الحق، والحق يقين قطعي ليس ظن وليس تخرص بل يقين أتانا من الله سبحانه وتعالى ليس بعده إلا الضلال كما قال في سورة يونس 

فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِوَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦٩) الأعراف

فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ، فَماذا بَعْدَالْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ! فَأَنَّى تُصْرَفُونَ؟ يونس

إن فيما سبق بيان عظم التقول على الله بغير علم وكونه أشنع وأكبر ذنب أعاذنا الله وإياكم وفي الآيات التالية موعظة ورادع لمن كان له قلب فالتستمع إليها أخي الكريم فهي تخاطبك أنت تحديدا كما تخاطب كل واحد منا تحديدا 

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ الأنعام

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (٩٣) الأنعام

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٦٨) العنكبوت 

لاحظ كيف قدم الكذب على الله على تكذيب الرسل، وادعاء الرسالة، ثم لاحظ سبب عذاب الهون والعياذ بالله. فأي جرم بعد الكذب على الله أشد أعاذني الله وإياك أخي القارئ الكريم.

إن الذين يفترون على الله الكذب لهم عذاب خاص يوم القيامة كما بين الله فيه هذه الآيات : 

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (١٩) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠) أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢١) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٢٢) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٤) هود.

فتأمل اخي الكريم.

لو بحثت في كتاب الله عن أسباب الخسران يوم القيامة ستجدها دوما ثلاث أسباب، الكذب على الله أحدها، فكثيرا ما نقرأ في كتاب الله "وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوايَفْتَرُونَ" أما السببين الأخريين هما الاغترار بالدنيا و التكذيب بآيات الله والعياذ بالله.

بقي اخي ان تعرف الكذب على الله وهو كل قول في دين الله لم يقله الله ورسوله يقينا، وأشدد على كلمة يقينا لكون رسول الله صلى عليه وسلم حذر من الظن ووصفه بأكذب الحديث كما ورد في صحيح البخاري وصحيح مسلم وغيرهما "إياكم والظن فإن أكذب الحديث الظن" لئلا يبقى عذر لمتقول أيا كان، فهل من متعظ؟! 

إن صحابة رسول الله أدركوا خطورة هذا الذنب وشناعته فلا يقولوا في دين الله إلا الحق المبين قال الله سبحانه وتعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دون زيادة أو نقصان، فلما ذهبوا وتوالت العصور من بعدهم تحول دين الناس من الحق المبين إلى الكذب المبين فكله ظنون وآراء وافتراضات وهذا باعترافهم هم انفسهم والله المستعان، والسبب الأول في ذلك عدم تدبر القرآن الكريم فلو تدبرناه لما اجترأنا على الكذب على الله ولما قبلنا أن نعبد الله بالكذب المبين كما سأبين في المقالات القادمة بإذن الله تعالى.

أكرر كعادتي أنني منفتح على كل نقاش يسعى صاحبه للحق ويقبل التحاكم لكتاب الله وسنة نبيه كما أمرنا في قوله :  فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا .

وأعرض عن كل ناعق بما لا يسمع وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
author-img
داعية يحاول تقفي أثر الأنبياء في الدعوة

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. شكرا لك على المعلومات المفيده كما ان اول مرة فى حياتى اعرف هذه المعلومات و بالفعل لايوجد شيىء اسمه الكذب عن الله لانو هو الخالق العليم بكل شيىء و لابد من التوكل على الله فى كافه الامور و نكون على قد المسؤوليه بقولنا و نبعد عن المعصيه خصوصا لو اننا قررنا ان نعمل صدقه او الرجوع الى الصلاة بعد فترة من المعصيه و ان الله غفور رحيم و شكرا لك

    ردحذف

إرسال تعليق

فهرست المقال