القائمة الرئيسية

الصفحات


الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، وبينه، ويسيره، ليبشر به المتقين، وينذر به قوما لدا، والصلاة والسلام على من أدى البلاغ المبين على أحسن وجه، فما بدل وما كتم وما ترك شيئا من الدين مشكلا، فلم تبق حجة لبشر بعده وبعد.

أتابع سلسلة عندما هجرنا تدبر القرآن الكريم مبينا النتائج الكارثية التي وقعنا فيها للأسف الشديد، وقد رأيت أن أسرد عليك أخي القارئ قصة حدثت معي منذ أيام لتدرك عظم المصيبة والله المستعان.


منذ أيام كنت أحاور بعض المتصدرين للفتوى حول مسألة وجوب الجمعة على المرأة من عدمه، وخلال النقاش قلت لمحاوري ردا عليه حين قال أنه لا يمكن تعلم العلم إلا من خلال المذاهب الأربعة، قلت له أني أكتفي بالقرآن والسنة كمصدر للعلم والتلقي لا أحتاج بعدهما لأحد، انفجر محاوري من الضحك معتبرا أن ما قلته مجرد كذب، مستحيل على أرض الواقع، وصاحبه لا يعي ما يقول، حينها تألمت في أعماقي فلقد وصلنا لمرحلة صار القرآن والسنة لا يغنيان عنا شيئا وجودهما من عدمه سيان، لأنهما غير مفهومين، ليس فقط للعامة، بل أيضا للخاصة، مما يعني أن قلوبنا غلفت بأكنة كثيرة لا يصل معها شيء من نور الوحي إلى قلوبنا.

إن مقالة الرجل مسَلم بها عند الغالبية الساحقة من الأمة إلا من رحم ربي، فالكل يقول بفم واحد: لا يمكنك فهم القرآن والسنة وحدك، وهذا غير قابل للنقاش لأنه واضح كوضوح الشمس عندهم ، فهل هذا حق؟ وما سببه؟

عندما نقرأ القرآن والسنة بهدف التعلم منهما والاهتداء بهما، نجد أن اللّٰه سبحانه وتعالى شدد على وصف كتابه بالبيان واليسر فلا توجد كلمة تشتق من الجذر "ب ي ن" إلا واستخدمها اللّٰه ‏ﷻ في نعت كتابه فقال :

مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (٩٨) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ (٩٩) البقرة

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (١٥٩) البقرة

كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢٤٢) البقرة

يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٦)  المائدة

هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٨) آل عمران
وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٣٤) النور

والآيات في بيان القرآن أكثر من أن يجمعها مقال، أما عن يسره فقد قال اللّٰه ‏ﷻ :

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧) القمر

فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧) مريم

فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) الدخان

وأما عن بيان رسول اللّٰه ﷺ للرسالة فسأعطي مثالا واحدا يبين أنه ﷺ بيَّن بيانا ليس بعده بيان فقد قال في الحديث المتفق عليه : 

إذا انتعل أحدُكم فليبدأْ باليمينِ وإذا نزع فليبدأْ بالشمالِ لتكن اليمنى أولَهما تنعلُ وآخرَهما تنزعُ.

فلماذا رغم كل ما سبق لا يمكننا فهم القرآن والسنة؟ ولماذا نعتبر أن فهمهما من عاشر المستحيلات فلا داعي للمحاولة؟

للأسف الشديد حين نقول أنه لا يمكننا فهم الكتاب والسنة فنحن صادقين فعلا، ليس لكون الكتاب والسنة عسيرين مشكلين بل لكون الله جعل على قلوبنا أكنة وفي آذاننا وقرا جزاء نكالا لاعراضنا عن وحيه واتباع رسوله ﷺ تماما كما فعل بأسلافنا من اليهود الذين نتقفى أثرهم حين قال:

وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (٨٨) البقرة

وهذا بالضبط ما نقوله اليوم دون ذرة خجل فهل من متعظ؟

أخي الكريم أقبل على القرآن والسنة بقلب شغوف لمعرفة ما قال ربك ورسوله وللعمل به، وستجد القرآن والسنة بيينين يسيرين نورهما أشد سطوعا من شمس الضحى ليس دونها غمام، والله الموفق لكل خير والهادي إلى صراط مستقيم والحمد لله رب العالمين.
author-img
داعية يحاول تقفي أثر الأنبياء في الدعوة

تعليقات

فهرست المقال