القائمة الرئيسية

الصفحات

ما هي حقيقة سرية الدعوة ؟!

عندما كتبنا مقال سمات دعوة الأنبياء وبينا فيه أن المصارحة ومواجهة الطاغوت سنة أساسية في دعوة الأنبياء من نوح إلى محمد صلى الله عليهم وسلم، راسلني البعض معترضا قائلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ثلاث سنوات يسر بدعوته، ولم يجهر بها إلا بعد أن صارت له شوكة يصعب كسرها، فلهذا المعترض وللقراء أقول 

إنك معذور في تصورك هذا، فعند قراءة كتب السيرة نجد أن الدعوة المكية مرت بمرحلتين مرحلة الدعوة السرية ومرحلة الدعوة الجهرية، كما أننا قد نجد في بعض الكتب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسر بدعوته في بداية العهد المكي، لذلك أنت معذور في تصورك هذا، لأنه هو التصور الذي يتبلور عند أول قراءة للسيرة، ولكن عند الفحص والتدقيق، يتبن خلاف ذلك كما سنرى 

إنه من المتفق عليه عند أهل السير أن إسلام عمر وحمزة كان في فترة الدعوة السرية، وأن الفترة الجهرية لم تبدأ إلا بعد إسلامهما، وقد حفظ لنا في السنة قصة إسلام كل منهما وفيهما الحالة التي وصلت إليها الدعوة آنذاك التي من المفترض أنها سرية، فإلى قصة إسلام عمر وقصة إسلام حمزة كما أتت في الأسانيد 

قصة إسلام حمزة

أخرج الحاكم في المستدرك على الصحيحين قال: حدَّثنا أبو العبَّاس محمد بن يعقوب، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا يونس بن بكيرٍ، عن ابن إسحاق، قال: فحدَّثني رجلٌ، مِنْ أَسْلَمَ وَكَانَ وَاعِيَةُ، أَنَّ أَبَا جَهْلٍ اعْتَرَضَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الصَّفَا، فَآذَاهُ وَشَتَمَهُ وَقَالَ فِيهِ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْعَيْبِ لِدِينِهِ، وَالتَّضْعِيفِ لَهُ، «فَلَمْ يُكَلِّمْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم»، وَمَوْلَاةٌ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ التَّيْمِيِّ فِي مَسْكَنٍ لَهَا فَوْقَ الصَّفَا تَسْمَعُ ذَلِكَ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ، فَعَمَدَ إِلَى نَادِي قُرَيْشٍ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَجَلَسَ مَعَهُمْ، وَلَمْ يَلْبَثْ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْ أَقْبَلَ مُتَوَشِّحًا قَوْسَهُ رَاجِعًا مِنْ قَنْصٍ لَهُ، وَكَانَ صَاحِبَ قَنْصٍ يَرْمِيهِ وَيَخْرُجُ لَهُ، وَكَانَ إذَا رَجَعَ مِنْ قَنْصِهِ لَمْ يَصِلْ إلَى أَهْلِهِ حَتَّى يَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ، وَكَانَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَمُرَّ عَلَى نَادٍ مِنْ قُرَيْشٍ إلَّا وَقَفَ وَسَلَّمَ وَتَحَدَّثَ مَعَهُمْ، وَكَانَ أَعَزَّ قُرَيْشٍ، وَأَشَدُّهَا شَكِيمَةً، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكًا عَلَى دَيْنِ قَوْمِهِ، فَجَاءَتْهُ الْمَوْلَاةُ وَقَدْ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ، فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا عُمَارَةَ، لَوْ رَأَيْتَ مَا لَقِيَ ابْنُ أَخِيكَ مُحَمَّدٍ مِنْ أَبِي الْحَكَمَ آنِفًا، وَجَدَهُ هَا هُنَا، فَآذَاهُ وَشَتَمَهُ، وَبَلَغَ مِنْهُ مَا يُكْرَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ فَعَمَدَ إِلَى نَادِي قُرَيْشٍ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَجَلَسَ مَعَهُمْ وَلَمْ يُكَلِّمْهُ مُحَمَّدٌ.

فَاحْتَمَلَ حَمْزَةُ الْغَضَبَ لِمَا أَرَادَ اللهُ مِنْ كَرَامَتِهِ، فَخَرَجَ سَرِيعًا لَا يَقِفُ عَلَى أَحَدٍ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ، يُرِيدُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ مُعِدًّا لـ أَبِي جَهْلٍ أَنْ يَقَعَ بِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ نَظَرَ إِلَيْهِ جَالِسًا فِي الْقَوْمِ فَأَقْبَلَ نَحْوَهُ، حَتَّى إِذَا قَامَ عَلَى رَأْسِهِ رَفَعَ الْقَوْسَ فَضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ ضَرْبَةً مَمْلُوءَةً، وَقَامَتْ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ إِلَى حَمْزَةَ لِيَنْصُرُوا أَبَا جَهْلٍ، فَقَالُوا: مَا نَرَاكَ يَا حَمْزَةُ إِلَّا صَبَأْتَ. فَقَالَ حَمْزَةُ: وَمَا يَمْنَعُنِي وَقَدِ اسْتَبَانَ لِي ذَلِكَ مِنْهُ، أَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَأَنَّ الَّذِي يَقُولُ حَقٌّ، فَوَاللهِ لَا أَنْزِعُ، فَامْنَعُونِي إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: دَعُوا أَبَا عُمَارَةَ، لَقَدْ سَبَبْتُ ابْنَ أَخِيهِ سَبًّا قَبِيحًا.

وَتمَّ حَمْزَةُ عَلَى إِسْلَامِهِ، وَتَابَعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا أَسْلَمَ حَمْزَةُ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ عَزَّ وَامْتَنَعَ، وَأَنَّ حَمْزَةَ سَيَمْنَعُهُ، فَكَفُّوا عَنْ بَعْضِ مَا كَانُوا يَتَنَاوَلُونَهُ وَيَنَالُونَ مِنْهُ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ سَعْدٌ حِينَ ضَرَبَ أَبَا جَهْلٍ، فَذَكَرَ رجزًا غَيْرَ مُسْتَقَرٍّ أَوَّلُهُ: ذُقْ أَبَا جَهْلٍ بِمَا غَشِيَتْ. قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ حَمْزَةُ إِلَى بَيْتِهِ فَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ، فَقَالَ: أَنْتَ سَيِّدُ قُرَيْشٍ اتَّبَعْتَ هَذَا الصَّابِئَ وَتَرَكْتَ دَيْنَ آبَائِكَ، لَلْمَوْتُ خَيْرٌ لَكَ مِمَّا صَنَعْتَ. فَأَقْبَلَ عَلَى حَمْزَةَ شَبَهٌ، فَقَالَ: مَا صَنَعْتُ؟ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ رُشْدًا فَاجْعَلْ تَصْدِيقَهُ فِي قَلْبِي وَإِلَّا فَاجْعَلْ لِي مِمَّا وَقَعْتُ فِيهِ مَخْرَجًا. فَبَاتَ بِلَيْلَةٍ لَمْ يَبِتْ بِمِثْلِهَا مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ، حَتَّى أَصْبَحَ فَغَدَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ابْنَ أَخِي، إِنِّي وَقَعْتُ فِي أَمَرٍ لَا أَعْرِفُ الْمَخْرَجَ مِنْهُ، وَأَقَامَهُ مَثَلِي عَلَى مَا لَا أَدْرِي مَا هُوَ أَرُشْدٌ هُوَ أَمْ غَيٌّ شَدِيدٌ، فَحَدِّثْنِي حَدِيثًا فَقَدِ اسْتَشْهَيْتُ يَا ابْنَ أَخِي أَنْ تُحَدِّثَنِي. «فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَّرَهُ وَوَعَظَهُ وَخَوَّفَهُ وَبَشَّرَهُ»، فَأَلْقَى اللهُ فِي نَفْسِهِ الإِيمَانَ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَشْهَدُ إِنَّكَ لَصَادِقٌ شَهَادَةَ الْصِّدْقِ، فَأَظْهِرْ يَا ابْنَ أَخِي دِينَكَ، فَوَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ لِي مَا أَلْمَعَتِ الشَّمْسُ، وَإِنِّي عَلَى دِينِي الأَوَّلِ. قَالَ: فَكَانَ حَمْزَةُ مِمَّنْ أَعَزَّ اللهُ بِهِ الدِّينَ.

قصة إسلام عمر

قال البيهقي في دلائل النبوة: قال البيهقي: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْمُنَادِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ يَعْنِي الأَزْرَقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: «خَرَجَ عُمَرُ مُتَقَلِّدًا السَّيْفَ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ تَعَمِدُ يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ: أُرِيدُ أَنْ أَقْتُلَ مُحَمَّدًا! قَالَ: وَكَيْفَ تَأْمَنُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي زُهْرَةَ وَقَدْ قَتَلْتَ مُحَمَّدًا؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَرَاكَ إِلَّا قَدْ صَبَوْتَ وَتَرَكْتَ دِينَكَ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ. قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى الْعَجَبِ إِنَّ خَتَنَكَ وَأُخْتَكَ قَدْ صَبَوَا وَتَرَكَا دِينَكَ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ.

قَالَ: فَمَشَى عُمَرُ ذَامِرًا حَتَّى أَتَاهُمَا، وَعِنْدَهُمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ يُقَالُ لَهُ خَبَّابٌ، قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ خَبَّابٌ بِحِسِّ عُمَرَ تَوَارَى فِي الْبَيْتِ فَدَخَلَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْهَيْنَمَةُ الَّتِي سَمِعْتُهَا عِنْدَكُمْ؟ قَالَ: وَكَانُوا يَقْرَءُونَ: ﴿طه﴾. فَقَالَا: مَا عَدَا حَدِيثًا تَحَدَّثْنَاهُ بَيْنَنَا. قَالَ: فَلَعَلَّكُمَا قَدْ صَبَوْتُمَا؟ فَقَالَ لَهُ خَتَنُهُ: يَا عُمَرُ إِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي غَيْرِ دِينِكَ؟ قَالَ: فَوَثَبَ عُمَرُ عَلَى خَتَنِهِ، فَوَطِئَهُ وَطْئًا شَدِيدًا. قَالَ: فَجَاءَتْ أُخْتُهُ لِتَدْفَعَهُ عَنْ زَوْجِهَا، فَنَفَحَهَا نَفْحَةً بِيَدِهِ فَدَمِيَ وَجْهُهَا، فَقَالَتْ وَهِيَ غَضْبَى: وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي غَيْرِ دِينِكَ، إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. فَقَالَ عُمَرُ: أَعْطُونِي الْكِتَابَ الَّذِي هُوَ عِنْدَكُمْ فَأَقْرَأَهُ -قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ يَقْرَأُ الْكُتُبَ- فَقَالَتْ أُخْتُهُ: إِنَّكَ رِجْسٌ، وَإِنَّهُ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، فَقُمْ فَاغْتَسِلْ أَوْ تَوَضَّأْ. قَالَ: فَقَامَ عُمَرُ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ أَخَذَ الْكِتَابَ فَقَرَأَ: ﴿طه﴾، حَتَّى انْتَهَى إِلَى: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: 14]. قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ. فَلَمَّا سَمِعَ خَبَّابٌ قَوْلَ عُمَرَ، خَرَجَ مِنَ الْبَيْتِ فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا عُمَرُ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونَ دَعْوَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْخَمِيسِ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَوْ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ». وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فِي الدَّارِ الَّتِي فِي أَصْلِ الصَّفَا. قَالَ: فَانْطَلَقَ عُمَرُ، حَتَّى أَتَى الدَّارَ وَعَلَى بَابِ الدَّارِ: حَمْزَةُ وَطَلْحَةُ، ونَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَأَى حَمْزَةُ وَجَلَ الْقَوْمِ مِنْ عُمَرَ فَقَالَ حَمْزَةُ: هَذَا عُمَرُ إِنْ يُرِدِ اللهُ بِعُمَرَ خَيْرًا يُسْلِمْ فَيَتْبَعِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَإِنْ يُرِدْ غَيْرَ ذَلِكَ يَكُنْ قَتْلُهُ عَلَيْنَا هَيِّنًا. قَالَ: وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دَاخِلٌ يُوحَى إِلَيْهِ. قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى أَتَى عُمَرَ، فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ ثَوْبِهِ وَحَمَائِلِ السَّيْفِ، فَقَالَ: «مَا أَنْتَ بِمُنْتَهٍ يَا عُمَرُ حَتَّى يُنْزِلَ اللهُ عز وجل بِكَ مِنَ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ مَا أَنْزَلَ بِالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ؟ فَهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ -أَوِ الدِّينَ- بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ». فَقَالَ عُمَرُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ وَأَنَّكَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. وَأَسْلَمَ وَقَالَ: اخْرُجْ يَا رَسُولَ اللهِ».

إذا تأملت القصتين تبين لك بشكل قطعي أن أهل مكة كانوا على علم بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى الله عليه وسلم دعا ساداتهم، فهذا أبو جهل وهو سيد مكة يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام الملأ، وهذا عمر رضي الله عنه يخرج ليقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم غير آبه ببني هاشم وبني زهرة، هل بعد هذا كله يعقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسر بالدعوة، وكل أهل مكة على علم بها؟! 

إن القصتين تثبتان أن الفترة السرية من الفترة المكية لم الدعوة فيها سرا، بل كانت مواجهة شرسة للطواغيت، يخبرنا القرآن عن تحد النبي صلى الله عليه وسلم للمشركين في قوله: 

﴿ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون﴾﴿إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين﴾

متبعا بذلك أثر الأنبياء من قبله في تحد أقوامهم كما أخبر الله عن نوح في قوله: 

﴿واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون﴾﴿فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين﴾

وهود في قوله:

﴿إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون﴾﴿من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون﴾﴿إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم﴾

لذلك من الخطأ الفادح والجهل الشنيع بمنهج الأنبياء تصور أن الدعوة كانت يوما مخفية لا يخبر بها إلتون أهل الثقة.

قد يقول البعض إذا لم تكن الدعوة نفسها سرية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواجه بها الطواغيت، فما الذي كان سرا إذا؟!

هذا السؤال وجيه، والإجابة عليه تكمن في أن ما يسمى بالفترة السرية كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر بأصحابه، من أسلم منهم يكتم إسلامه وكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم مكان اجتماع سري للمسلمين آنذاك، ولذلك لم يكن الجهر بالدعوة إلا خروج المسلمين في صفين وطوافهم بالكعبة في تحد سافر لطواغيت قريش وقوانينهم آنذاك، فالذي كان سرا هو التنظيم الإسلامي الوليد أما الدعوة نفسها فلم تكن سرية يوما ولا ينبغي لها ذلك. 

author-img
داعية يحاول تقفي أثر الأنبياء في الدعوة

تعليقات

فهرست المقال