القائمة الرئيسية

الصفحات

كشف تحريف الكلم : تحريف كلمة الحاكم إلى العالم

تحريف كلمة الحاكم إلى العالم

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، والصلاة والسلام على الرسول الأمين الذي أدى البلاغ المبين وبعد.

من نعمة اللّٰه التي تحصى ورحمته بالمؤمنين أن بعث لهم رسولا منهم بالكتاب المبين، فلم يترك شيئا من أمر دينهم ودنياهم إلا بينه أبلغ بيان، فكان الهدى الذي أتى به بشارة ورحمة للمؤمنين لا يحتاجون بعده لشيء أيا كان، ففيه تفصيل حياتهم ومماتهم، ولم يكلفهم الله غير السمع والطاعة، فآمنت قلوبهم وسمعت آذانهم وأبصرت عيونهم، فكان الواحد منهم يسير وفق النور المبين غير آبه بما يلقيه شياطين الإنس والجن من زخرف القول، ليفتنوا به من في قلوبهم مرض من المستكبرين عن هدى اللّٰه، الذين يرمونه بالعجز عن استيعاب مستجدات الأمور، المتهمين له بعدم البيان والاشكال.

ومن رحمة اللّٰه بعباده المؤمنين أن أغلق الباب على كل من سولت له نفسه أن يشرع مع اللّٰه، وتوعده بالعذاب الأليم فقال سبحانه:

﴿ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين﴾﴿الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون﴾﴿أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون﴾﴿أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون﴾﴿لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون﴾

وحذر أشد تحذير من القول عليه بغير علم فقال:

﴿قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون﴾

فعلم المؤمنون خطورة الكذب في دين اللّٰه بالقول فيه بغير علم، فكانوا أمناء لا يزيدون على قال اللّٰه قال رسول اللّٰه ﷺ، وعلموا أن من يقنع بقول اللّٰه ولا بقول رسوله لن يقتنع بكلام بشر لم يرسله اللّٰه ولا يصلي عليه ولم يسلم، أما الذين في قلوبهم مرض فقد بدؤوا يحرفون الكلم عن مواضعه، ليقنعوا به أتباعهم ممن لم يرضوا بالله ربا ولا بالإسلام دينا ولا بمحمد ﷺ نبيا رسولا، وهذا ما سنواصل كشفه في هذه السلسلة، بعدما كشفنا في المقال السابق كيف حرفوا لفظ "أهل الذكر" بالعلماء وما نتج عن ذلك من ذلك من تحريف لماهية العلم وعما يسأل عنه المؤمن .

وفي هذا المقال سنناقش تحريفهم لكلمة الحاكم بالعالم ليستبيحوا بذلك بيضة الدين، ويقولون ما يشاؤون على اللّٰه ويدعون في ذلك أنهم مأجورين مهما كان قولهم، والحديث الذي حرفوه هو كما رواه البخاري

إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر
للوقوف على طرق الحديث ورواياته وتراجم رواته ومناقشة صحته إضغط هنا

عندما تقرأ الحديث ألف مرة لن تجد فيه لا لفظ العالم ولا لفظ المفتي، فالحديث يتحدث عن حكم الحاكم بما ينفع الناس، فقد يقرر حكما يرى فيه مصلحة رعيته التي هو مسئول عنها ويكون مصيبا فيثيبه اللّٰه أجرين، وقد يكون مخطئا فيثيبه اللّٰه أجرا واحدا على اجتهاده، وليس الحديث مما يتعلق بالفتوى التي حرم اللّٰه ورسوله القول فيها بغير علم بالآية السابقة وبالحديث التالي الذي رواه البخاري أيضا والذي نصه: 

إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا
للوقوف على رويات الحديث وطرقه وتراجم رواته ومناقشة صحته إضغط هنا 

ولكن ما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون؟ متجاهلين كل تلك الآيات والأحاديث أصروا على تحريف كلمة الحاكم إلى العالم، فصار العالم بذلك مثابا أصاب أم أخطأ، فهو مجتهد على كل حال مجمول بالحديث السابق حسب تحريفهم.

وقبل أن أعرض النتائج الكارثية للاجتهاد في الدين ينبغي أن أكشف كذبة أخرى يلبسون بها على اتباعهم وهي حقيقة الاجتهاد فأقول:

حين تسأل أي حبر من أحبارهم عن حقيقة الاجتهاد،  سيقول الاجتهاد هو بذل الجهد أي استفراغ الوسع في استنباط الحكم من مصادره، وهو تعريف جميل لا يعترض عليه مؤمن، لكنه بعيد كل البعد عن حقيقة الاجتهاد في الواقع الذي هو القول بالرأي في حالة جهل النص والدليل على ذلك القاعدة التي يكررونها: لا اجتهاد مع النص فلو توفر النص عند المجتهد لما اجتهد بنص القاعدة، مما يدل أن الاجتهاد يصار إليه في حالة جهل النص مما يناقض التعريف الذي يلبسون به على اتباعهم الذي يقوم على وجود النص.

قبل عرض نتائج هذا التحريف على الأمة، تجدر الإشارة أن المفتي إذا جهل النص يجب عليه أن يقول لا أدري لأن الله حرم القول عليه بغير علم، وإليك بعض النتائج الكارثية لتحريف كلمة الحاكم في الحديث بالعالم

أولا ضياع حقيقة الإسلام بين الناس، فلم يعد الإسلام متمثلا في طاعة أوامر إلهية بحتة، بل صار خليطا عفنا من رأي البشر كل يقول فيه بما يشاء، لأن كلهم مجتهدين مأجورين على كذبهم بزعمهم، وصار الإسلام في عقول أتباعهم مذاهب وفرق، كل يوم يبتكر شيطان جديد كذبة جديدة يصيرها الذين في قلوبهم مرض إسلاما وما هي بإسلام ولو زعمتها أفواههم، فالله كذبهم.

ثانيا ضياع الرابطة مع رسول اللّٰه ﷺ فالمجتهد صار متبوعا عند أصحابه بدل رسول الله ﷺ يأمرهم فيطيعون وينهاهم فينتهون، ولا مشكلة إن حرم الحلال وأحل الحرام وكره ما أنزل اللّٰه فهو مجتهد مطلق بزعمهم يحق له قول ما يشاء فهو مأجور على كل حال .

ثالثا تشتت الأمة وفرقتها فبيضة الدين الذي يجمع الأمة قد استبيحت وصار الكذب على الله طاعة في زعمهم فلا مانع من تعدد الأرباب، فلا أحد أقدر على الكذب من غيره، وهكذا تنشأ الفرقة على اتباع كذاب معين ثم ما يلبث الأتباع أن يتعلمون الحرفة المربحة في حساباتهم فصاحبها يجد الحظوة والإمامة عند الناس، فيبدأون بالكذب فتنقسم الفرقة الأولى إلى ما لا يعلم عدده إلا اللّٰه من الفرق، الجامع بينهم الكذب على اللّٰه ورسوله، وهذه هي حال الأمة منذ قروون فكيف ينصر اللّٰه أمة كذابة استكبرت عن وحيه وتعدت حدوده ؟ 
author-img
داعية يحاول تقفي أثر الأنبياء في الدعوة

تعليقات

فهرست المقال