القائمة الرئيسية

الصفحات

﴿ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين﴾


لقد تمت مراجعة هذا المقال في المدونة الجديدة وعنونته ب:

ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء


مقدمة

إذا كنت ممن ينظر للقائل أكثر من المقول، وتقدس الكلام بناء على قائله، وليس على ما فيه من الأدلة، وإذا كنت ممن أسلم عقله لغيره، ورضي بأن يكون تابعا يكرر ما يقوله من يتبعه دون تفكير، فهذا المقال ليس لك، ونصيحة لا تضيع فيه وقتك، فهذا المقال للذين يحترمون عقولهم التي أعطاهم الله، ويحاسبون الكلام بناء على ما فيه من أدلة، وليس بناء على أن قائله فلان أو علان.

في الوحي تبيان كل شيء

إننا في هذه السطور سوف نقف مع آية هي الفيصل بين المؤمنين والكفار على مر العصور، ننهل من معينها ونتدبرها، ونرى أخيرا كيف أدى تحريفها إلى ضياع الأمة منذ عصور، إنها قول الحق سبحانه:

﴿ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين﴾

إن الله عز وجل يبين بصريح الآية أن الكتاب أنزل من أجل أن يبين كل شيء، فلم يبق أي شيء أيا كان إلا وفي كتاب الله - الذي هو القرآن والسنة كما سبق وبينا - بيانه، وقد أكد الله على هذا المعنى في قوله سبحانه:

﴿لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون﴾

وفي قوله:

﴿وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون﴾

وفي قوله:

﴿وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا﴾

كما بين ربنا عز وجل، أن مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي البلاغ المبين، حيث قال:

﴿فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين﴾

وقوله:

﴿قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين﴾

وغيرها من الآيات التي تؤكد على أن مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي البلاغ المبين، وقد أدى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المهمة على أكمل وجه، فلم يبق خير إلا دل عليه، ولا شر إلا وحذر منه، وغلق الطريق على كل متقول حيث بين أن ما لم يأمر به صلى الله عليه وسلم مردود أيا كان قائله، حيث قال:

من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد
الحديث وتخريجه ورواته هنا

لقد علم المؤمنون هذا، وآمنوا به فكانوا يعيشون على هدى من ربهم، في راحة وطمأنينة، لهم في كل حين من أحيانهم نور يهتدون به، ثم خلف بعدهم خلوف أضاعوا الكتاب واتبعوا أهواء أسلافهم، فحرفوا الدين، وصيروه آراء بشرية، وكان أول ما كفروا الآية التي صدرنا بها مقالنا، حيث نبذوا الكتاب وراء ظهورهم وقدموا عقولهم على بيان رسول الله الثابت عنه، وكسروا بيضة الدين فصار مجالا لكل ناعق يقول فيه برأيه ما أوحته شياطينه من الأنس والجن من زخرف القول، كما سنبين إن شاء الله في المقالات القادمة من سلسلة القمة إلى هاوية.

تفسير الآية بحسب الشافعي

في تلك الظروف القاتمة ظهر الشافعي، وأتى بتفسير لهذه الآية وسط بين أهل الرأي والمؤمنين حيث قال في الرسالة:

ﻗﺎﻝ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ: ﻓﻠﻴﺴﺖ ﺗﻨﺰﻝ ﺑﺄﺣﺪ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺩﻳﻦ اﻟﻠﻪ ﻧﺎﺯﻟﺔ ﺇﻻ ﻭﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ اﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻬﺪﻯ ﻓﻴﻬﺎ.

ﻗﺎﻝ اﻟﻠﻪ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ: (ﻛﺘﺎﺏ ﺃﻧﺰﻟﻨﺎﻩ ﺇﻟﻴﻚ ﻟﺘﺨﺮﺝ اﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ اﻟﻈﻠﻤﺎﺕ ﺇﻟﻰ اﻟﻨﻮﺭ ﺑﺈﺫﻥ ﺭﺑﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺻﺮاﻁ اﻟﻌﺰﻳﺰ اﻟﺤﻤﻴﺪ) (ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ 1)

ﻭﻗﺎﻝ: (ﻭﺃﻧﺰﻟﻨﺎ ﺇﻟﻴﻚ اﻟﺬﻛﺮ ﻟﺘﺒﻴﻦ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻣﺎ ﻧﺰﻝ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻭﻟﻌﻠﻬﻢ ﻳﺘﻔﻜﺮﻭﻥ) (اﻟﻨﺤﻞ 44)

ﻭﻗﺎﻝ: (ﻭﻧﺰﻟﻨﺎ ﻋﻠﻴﻚ اﻟﻜﺘﺎﺏ ﺗﺒﻴﺎﻧﺎ ﻟﻜﻞ ﺷﻲء ﻭﻫﺪﻯ ﻭﺭﺣﻤﺔ ﻭﺑﺸﺮﻯ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ) (اﻟﻨﺤﻞ 89)

ﻭﻗﺎﻝ: (ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺃﻭﺣﻴﻨﺎ ﺇﻟﻴﻚ ﺭﻭﺣﺎ ﻣﻦ ﺃﻣﺮﻧﺎ، ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺗﺪﺭﻱ ﻣﺎ اﻟﻜﺘﺎﺏ، ﻭﻻ اﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭﻟﻜﻦ ﺟﻌﻠﻨﺎﻩ ﻧﻮﺭا ﻧﻬﺪﻱ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻧﺸﺎء ﻣﻦ ﻋﺒﺎﺩﻧﺎ، ﻭﺇﻧﻚ ﻟﺘﻬﺪﻱ ﺇﻟﻰ ﺻﺮاﻁ ﻣﺴﺘﻘﻴﻢ) (اﻟﺸﻮﺭﻯ 52)

ثم شرع في شرح البيان الذي ذكر الله في الآية حيث قال:

ﻗﺎﻝ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ: ﻭاﻟﺒﻴﺎﻥ اﺳﻢ ﺟﺎﻣﻊ ﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﺔ اﻷﺻﻮﻝ، ﻣﺘﺸﻌﺒﺔ اﻟﻔﺮﻭﻉ:

ﻓﺄﻗﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺔ اﻟﻤﺘﺸﻌﺒﺔ: ﺃﻧﻬﺎ ﺑﻴﺎﻥ ﻟﻤﻦ ﺧﻮﻃﺐ ﺑﻬﺎ ﻣﻤﻦ ﻧﺰﻝ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﺑﻠﺴﺎﻧﻪ، ﻣﺘﻘﺎﺭﺑﺔ، اﻻﺳﺘﻮاء ﻋﻨﺪﻩ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺃﺷﺪ ﺗﺄﻛﻴﺪ ﺑﻴﺎﻥ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ. ﻭﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻨﺪ ﻣﻦ ﻳﺠﻬﻞ ﻟﺴﺎﻥ اﻟﻌﺮﺏ.

ﻗﺎﻝ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ: ﻓﺠﻤﺎﻉ ﻣﺎ ﺃﺑﺎﻥ اﻟﻠﻪ ﻟﺨﻠﻘﻪ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ، ﻣﻤﺎ ﺗﻌﺒﺪﻫﻢ ﺑﻪ، ﻟﻤﺎ ﻣﻀﻰ ﻣﻦ ﺣﻜﻤﻪ ﺟﻞ ﺛﻨﺎﺅﻩ: ﻣﻦ ﻭﺟﻮﻩ.

ﻓﻤﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﺃﺑﺎﻧﻪ ﻟﺨﻠﻘﻪ ﻧﺼﺎ. ﻣﺜﻞ ﺟﻤﻞ ﻓﺮاﺋﻀﻪ، ﻓﻲ ﺃﻥ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺻﻼﺓ ﻭﺯﻛﺎﺓ ﻭﺣﺠﺎ ﻭﺻﻮﻣﺎ ﻭﺃﻧﻪ ﺣﺮﻡ اﻟﻔﻮاﺣﺶ، ﻣﺎ ﻇﻬﺮ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﻣﺎ ﺑﻄﻦ، ﻭﻧﺺ اﻟﺰﻧﺎ ﻭاﻟﺨﻤﺮ، ﻭﺃﻛﻞ اﻟﻤﻴﺘﺔ ﻭاﻟﺪﻡ، ﻭﻟﺤﻢ اﻟﺨﻨﺰﻳﺮ، ﻭﺑﻴﻦ ﻟﻬﻢ ﻛﻴﻒ ﻓﺮﺽ اﻟﻮﺿﻮء، ﻣﻊ ﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﺑﻴﻦ ﻧﺼﺎ. 

ﻭﻣﻨﻪ: ﻣﺎ ﺃﺣﻜﻢ ﻓﺮﺿﻪ ﺑﻜﺘﺎﺑﻪ، ﻭﺑﻴﻦ ﻛﻴﻒ ﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻥ ﻧﺒﻴﻪ؟ ﻣﺜﻞ ﻋﺪﺩ اﻟﺼﻼﺓ، ﻭاﻟﺰﻛﺎﺓ، ﻭﻭﻗﺘﻬﺎ، ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻓﺮاﺋﻀﻪ اﻟﺘﻲ ﺃﻧﺰﻝ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﻪ.

ﻭﻣﻨﻪ: ﻣﺎ ﺳﻦ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻣﻤﺎ ﻟﻴﺲ ﻟﻠﻪ ﻓﻴﻪ ﻧﺺ ﺣﻜﻢ، ﻭﻗﺪ ﻓﺮﺽ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻃﺎﻋﺔ ﺭﺳﻮﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻭاﻻﻧﺘﻬﺎء ﺇﻟﻰ ﺣﻜﻤﻪ، ﻓﻤﻦ ﻗﺒﻞ ﻋﻦ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﻓﺒﻔﺮﺽ اﻟﻠﻪ ﻗﺒﻞ.

ﻭﻣﻨﻪ: ﻣﺎ ﻓﺮﺽ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻘﻪ اﻻﺟﺘﻬﺎﺩ ﻓﻲ ﻃﻠﺒﻪ، ﻭاﺑﺘﻠﻰ ﻃﺎﻋﺘﻬﻢ ﻓﻲ اﻻﺟﺘﻬﺎﺩ، ﻛﻤﺎ اﺑﺘﻠﻰ ﻃﺎﻋﺘﻬﻢ ﻓﻲ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻤﺎ ﻓﺮﺽ ﻋﻠﻴﻬﻢ.

ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻘﻮﻝ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ: (ﻭﻟﻨﺒﻠﻮﻧﻜﻢ ﺣﺘﻰ ﻧﻌﻠﻢ اﻟﻤﺠﺎﻫﺪﻳﻦ ﻣﻨﻜﻢ ﻭاﻟﺼﺎﺑﺮﻳﻦ، ﻭﻧﺒﻠﻮ ﺃﺧﺒﺎﺭﻛﻢ) (ﻣﺤﻤﺪ 31)

ﻭﻗﺎﻝ: (ﻭﻟﻴﺒﺘﻠﻲ اﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺻﺪﻭﺭﻛﻢ ﻭﻟﻴﻤﺤﺺ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ) (ﺁﻝ ﻋﻤﺮاﻥ 154)

ﻭﻗﺎﻝ: (ﻋﺴﻰ ﺭﺑﻜﻢ ﺃﻥ ﻳﻬﻠﻚ ﻋﺪﻭﻛﻢ، ﻭﻳﺴﺘﺨﻠﻔﻜﻢ ﻓﻲ اﻷﺭﺽ ﻓﻴﻨﻈﺮ ﻛﻴﻒ ﺗﻌﻤﻠﻮﻥ؟) (اﻷﻋﺮاﻑ 129)

ﻗﺎﻝ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ: ﻓﻮﺟﻬﻬﻢ ﺑﺎﻟﻘﺒﻠﺔ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺤﺮاﻡ، ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻨﺒﻴﻪ: (ﻗﺪ ﻧﺮﻯ ﺗﻘﻠﺐ ﻭﺟﻬﻚ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء، ﻓﻠﻨﻮﻟﻴﻨﻚ ﻗﺒﻠﺔ ﺗﺮﺿﺎﻫﺎ، ﻓﻮﻝ ﻭﺟﻬﻚ ﺷﻄﺮ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺤﺮاﻡ، ﻭﺣﻴﺚ ﻣﺎ ﻛﻨﺘﻢ ﻓﻮﻟﻮا ﻭﺟﻮﻫﻜﻢ ﺷﻄﺮﻩ) (اﻟﺒﻘﺮﺓ 144)

ﻭﻗﺎﻝ: (ﻭﻣﻦ ﺧﺮﺟﺖ ﻓﻮﻝ ﻭﺟﻬﻚ ﺷﻄﺮ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺤﺮاﻡ، ﻭﺣﻴﺚ ﻣﺎ ﻛﻨﺘﻢ ﻓﻮﻟﻮا ﻭﺟﻮﻫﻜﻢ ﺷﻄﺮﻩ، ﻟﺌﻼ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺣﺠﺔ) (اﻟﺒﻘﺮﺓ 150) .

ﻓﺪﻟﻬﻢ ﺟﻞ ﺛﻨﺎﺅﻩ ﺇﺫا ﻏﺎﺑﻮا ﻋﻦ ﻋﻴﻦ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺤﺮاﻡ ﻋﻠﻰ ﺻﻮاﺏ اﻻﺟﺘﻬﺎﺩ، ﻣﻤﺎ ﻓﺮﺽ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻨﻪ، ﺑﺎﻟﻌﻘﻮﻝ اﻟﺘﻲ ﺭﻛﺐ ﻓﻴﻬﻢ، اﻟﻤﻤﻴﺰﺓ ﺑﻴﻦ اﻷﺷﻴﺎء، ﻭﺃﺿﺪاﺩﻫﺎ، ﻭاﻟﻌﻼﻣﺎﺕ اﻟﺘﻲ ﻧﺼﺐ ﻟﻬﻢ ﺩﻭﻥ ﻋﻴﻦ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺤﺮاﻡ اﻟﺬﻱ ﺃﻣﺮﻫﻢ ﺑﺎﻟﺘﻮﺟﻪ ﺷﻄﺮﻩ. 

ﻓﻘﺎﻝ: (ﻭﻫﻮ اﻟﺬﻱ ﺟﻌﻞ ﻟﻜﻢ اﻟﻨﺠﻮﻡ ﻟﺘﻬﺘﺪﻭا ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺎﺕ اﻟﺒﺮ ﻭاﻟﺒﺤﺮ) (اﻷﻧﻌﺎﻡ 97) ، ﻭﻗﺎﻝ: (ﻭﻋﻼﻣﺎﺕ ﻭﺑﺎﻟﻨﺠﻢ ﻫﻢ ﻳﻬﺘﺪﻭﻥ) (اﻟﻨﺤﻞ 16)

ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻟﻌﻼﻣﺎﺕ ﺟﺒﺎﻻ ﻭﻟﻴﻼ ﻭﻧﻬﺎﺭا، ﻓﻴﻬﺎ ﺃﺭﻭاﺡ ﻣﻌﺮﻭﻓﺔ اﻷﺳﻤﺎء، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﻤﻬﺎﺏ. ﻭﺷﻤﺲ ﻭﻗﻤﺮ، ﻭﻧﺠﻮﻡ ﻣﻌﺮﻭﻓﺔ اﻟﻤﻄﺎﻟﻊ ﻭاﻟﻤﻐﺎﺭﺏ، ﻭاﻟﻤﻮاﺿﻊ ﻣﻦ اﻟﻔﻠﻚ.

ﻓﻔﺮﺽ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻻﺟﺘﻬﺎﺩ ﺑﺎﻟﺘﻮﺟﻪ ﺷﻄﺮ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺤﺮاﻡ، ﻣﻤﺎ ﺩﻟﻬﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻤﺎ ﻭﺻﻔﺖ، ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺠﺘﻬﺪﻳﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﺰاﻳﻠﻴﻦ ﺃﻣﺮﻩ ﺟﻞ ﺛﻨﺎﺅﻩ. ﻭﻟﻢ ﻳﺠﻌﻞ ﻟﻬﻢ ﺇﺫا ﻏﺎﺏ ﻋﻨﻬﻢ ﻋﻴﻦ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺤﺮاﻡ ﺃﻥ ﻳﺼﻠﻮا ﺣﻴﺚ ﺷﺎﺅﻭا.

إننا إذا تأملنا هذا التفسير نجد أن الشافعي فسر الكتاب بالقرآن، وهو تفسير خاطئ كما سبق وبينا حيث أن الكتاب يعني الرسالة التي أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم والتي تتكون من القرآن والسنة، هذا التفسير - أي الكتاب بالقرآن - سيقود صاحبه إلى نفي ظاهر الآية، فالقرآن ليس فيه تفصيل كل الدين، حيث أن أغلب شرائع الإسلام إنما أتت مفصلة في سنة رسول الله، وهذا ما ظهر جليا في شرح الشافعي للبيان حيث جعله على ثلاثة أنواع ما بين الله نصا في لقرآن، وما بينه على لسان نبيه، ونوع ثالث ابتدعه قال فيه:

ﻭﻣﻨﻪ: ﻣﺎ ﻓﺮﺽ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻘﻪ اﻻﺟﺘﻬﺎﺩ ﻓﻲ ﻃﻠﺒﻪ، ﻭاﺑﺘﻠﻰ ﻃﺎﻋﺘﻬﻢ ﻓﻲ اﻻﺟﺘﻬﺎﺩ، ﻛﻤﺎ اﺑﺘﻠﻰ ﻃﺎﻋﺘﻬﻢ ﻓﻲ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻤﺎ ﻓﺮﺽ ﻋﻠﻴﻬﻢ.

وهذا الكلام لو تأملته لعلمت أن الله بحسب هذه الدعوى لم يبين كل شيء، بل ترك بعض الأشياء غامضة يجب بحسب الشافعي على المرء الاجتهاد فيه، وهذا مناقض لصريح الآية.

لقد استدل الشافعي على دعواه بالتوجه إلى البيت الحرام، ولو تأملت هذا الدليل الذي ذكره لعلمت أن اجتهاد الناس في التوجه شطر المسجد الحرام، لا علاقة له بالآية الصريحة البينة القاطعة في وجوب التوجه شطر المسجد الحرام عند الصلاة، وتمت كلمات ربنا صدقا وعدلا، وبقي على الناس التنفيذ بحسب استطاعتهم وقد بين في موضع آخر على لسان رسوله أن الأوامر تجب بحسب المستطاع، فالناس تتوجه شطر المسجد الحرام بحسب استطاعتها، وليس في الآية إشكال يوجب الاجتهاد في بيان ما يتوجه إليه المرء في الصلاة.

نتائج تفسير الشافعي للآية

إن هذا التفسير الذي أتى به الشافعي فضلا أنه مناقض لصريح الآية، كان له الأثر السيء على ماهية العلم، فالعلم ليس الوحي حصرا، وإنما بحسب الشافعي الإجماع والقياس أيضا حيث قال:

ﻭﻫﺬا اﻟﺼﻨﻒ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ: ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻭﺻﻔﺖ ﻗﺒﻞ ﻫﺬا ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻟﻴﺲ ﻷﺣﺪ ﺃﺑﺪا ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺷﻲء ﺣﻞ ﻭﻻ ﺣﺮﻡ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﻌﻠﻢ. ﻭﺟﻬﺔ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺨﺒﺮ: ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺏ، ﺃﻭ اﻟﺴﻨﺔ، ﺃﻭ اﻹﺟﻤﺎﻉ، ﺃﻭ اﻟﻘﻴﺎﺱ.

وهذا هو المنطلق الذي قاد أتباع الشافعي فيما بعد إلى جعل الوحي قاصرا عن استيعاب عشر معشار الشريعة كما قال الجويني الشافعي في كتابه البرهان في أصول الفقه

ﻭﺃﻳﻀﺎ: ﻓﺈﻥ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺻﺪﺭ ﻋﻦ اﻻﺟﺘﻬﺎﺩ ﻭاﻟﻨﺼﻮﺹ ﻻ ﺗﻔﻲ ﺑﺎﻟﻌﺸﺮ ﻣﻦ ﻣﻌﺸﺎﺭ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ. المجلد الثاني الصفحة 37 .

وهكذا تحول الوحي الذي أنزل تبيانا لكل شيء، إلى كتاب عاجز عن استيعاب عشر معشار الشريعة بحسب الجويني ومن سار وفق هذا المنهج الذي يناقض صريح القرآن.

خاتمة

أخيرا أيها القارئ انظر في أمرك هل أنت مصدق مؤمن بقول الله عز وجل 

ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء

كما أخبر تجد في الوحي بيان كل شيء، والهدى والرحمة، وليس بعد الهدى إلا الضلال.

أم أنك مكذب بصريح القرآن وطاعن في بيان الله عز وجل وبلاغ رسوله كما فعل سلفك، ولا خيار ثالث. 


author-img
داعية يحاول تقفي أثر الأنبياء في الدعوة

تعليقات

فهرست المقال