القائمة الرئيسية

الصفحات


تمت مراجعة هذه المقالة في المدونة الجديدة، وعنونتها ب:

معنى العبادة في القرآن وعند الفقهاء


النسخة القديمة

كل الأمة تعلم أنها خلقت لغاية واحدة لا ثاني لها، وهي عبادة الله وحده، وذلك لقول الحق سبحانه: 

﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾

فما هي العبادة التي من أجلها وحدها خلقنا ؟!

إذا طرحت هذا السؤال على أحد العامة سيجيبك بأن العبادة هي الصلاة والزكاة وبقية الشعائر التعبدية فقط، وعلى هذا الأساس هذه الأنظمة الطاغوتية يمكن العيش تحت ظلها ما دامت لا تمنعنا من ديننا الذي هو محصور في الشعائر التعبدية، فهل العبادة فعلا هي مجرد تأدية الشعائر وحسب، أم أنها أشمل من ذلك ؟! 

إذا رجعنا للقرآن والسنة نجد أن العبادة تعني الخضوع والتذلل وذلك في قول الحق سبحانه: 

﴿فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون﴾

أي خاضعون، وبنفس المعنى وردت في قوله سبحانه: 

﴿وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل﴾

فإذا نظرت إلى بني إسرائيل الذين هم أحفاد يعقوب عليه السلام، علمت يقينا أنهم كانوا على الإسلام لله وحده كما أخبر ربنا عنهم في قوله:

﴿أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون﴾

ولكنهم لما خضعوا لفرعون وجبروته، كانوا عابدين له كما صرح هو وكما أخبر موسى صلى الله عليه وسلم في الآية السابقة، فالخضوع إذا صورة من صور العبادة على المرء أن لا يصرفها إلا لله عز وجل.

إن الناظر في القرآن يجد أن فرعون وآله مثل للكفار على مر العصور، فكثيرا ما تجد في القرآن قول الحق سبحانه: 

﴿كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب﴾

فكما كان فرعون رب قومه الأعلى، ففراعنتنا مثله فهم بالنسبة لأقوامنا أربابهم الأعلون، ويعبرون عن ذلك بقولهم نحن أصحاب السلطة العليا، وهذه هي الربوبية في معناها الحرفي في اللسان.

أقوامنا أيضا كبني إسرائيل أيام فرعون فهم يدعون الإسلام ولكنهم يناقضونه بخضوعهم لفرعون، كذلك أقوامنا يدعون الإسلام وفي نفس الوقت يخضعون لأرباب شتى غير الله عز وجل كالأنظمة الطاغوتية وغيرها كما بينا هنا

ووردت العبادة أيضا في القرآن بمعنى الطاعة في قول الحق سبحانه: 

﴿ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين﴾

أي لا تطيعوا الشيطان، إذا العبادة هي الطاعة والخضوع والتذلل، ولا يمكن صرفها إلا لله سبحانه وتعالى لأنه وحده من بيده ملكوت كل شيء وغيره لا يملك أي شيء ولذلك لا معنى أن يطاع أو يخضع له، وهذا المعنى بينته آيات كثيرة منها قول الحق سبحانه : 

﴿إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم﴾

﴿واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا﴾

لذلك يجب أن تفهم أيها القارئ أن الإسلام معناه أن لا تعبد إلا لله، فلا تطيع إلا إياه ولا تخضع ولا تتذلل إلا له سبحانه، وكل أمر ستطيعه عليك أن تعلم أن الله أذن لك في طاعته، لذلك مثلا تطيع والديك في غير معصية الله لأن الله أمرك بذلك، وبهذا تكون حياتك كلها فعلا لله وحده.

إنك حين تقرر أن تسلم نفسك لله تقرر أنه لا آمر لك سوى الله عز وجل وكل طاعة تقوم بها هي طاعة أذن الله فيها إما بأن يأمرك بها أو بأن يبيحها لك، حين تقرر ذلك تكون مسلما فعلا لله، ويبقى عليك تنفيذ قرارك ومجاهدة نفسك، وهنا يختلف المسلمون فمنهم من هو قوي الإيمان من النادر أن يقع في الزلل فيطيع هواه ثم يتوب منه فورا، ومنهم من هو ضعيف الإيمان كثير الزلات، ولكنه يتوب دوما ويحاول جاهدا المحافظة على إسلامه، لذلك ارتكاب المعصية ضعفا ليس مكفرا، بمعنى أنه لا يلغي عقد الإسلام الذي أقره المسلم ابتداء، يتضح هذا المعنى من هذا الحديث الشريف:

ﻋﻦ ﺫﻛﻮاﻥ ﺃﺑﻲ ﺻﺎﻟﺢ اﻟﺴﻤﺎﻥ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ، ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ:

«ﻻ ﻳﺰﻧﻲ ﺣﻴﻦ ﻳﺰﻧﻲ ﻭﻫﻮ ﻣﺆﻣﻦ، ﻭﻻ ﻳﺴﺮﻕ ﺣﻴﻦ ﻳﺴﺮﻕ ﻭﻫﻮ ﻣﺆﻣﻦ، ﻭﻻ ﻳﺸﺮﺏ اﻟﺨﻤﺮ ﺣﻴﻦ ﻳﺸﺮﺑﻬﺎ ﻭﻫﻮ ﻣﺆﻣﻦ، ﻭاﻟﺘﻮﺑﺔ ﻣﻌﺮﻭﺿﺔ ﺑﻌﺪ».

- ﻭﻓﻲ ﺭﻭاﻳﺔ: «ﻻ ﻳﺰﻧﻲ اﻟﺰاﻧﻲ ﺣﻴﻦ ﻳﺰﻧﻲ ﻭﻫﻮ ﻣﺆﻣﻦ، ﻭﻻ ﻳﺴﺮﻕ اﻟﺴﺎﺭﻕ ﺣﻴﻦ ﻳﺴﺮﻕ ﻭﻫﻮ ﻣﺆﻣﻦ، ﻭﻻ ﻳﺸﺮﺏ اﻟﺨﻤﺮ ﺣﻴﻦ ﻳﺸﺮﺑﻬﺎ ﻭﻫﻮ ﻣﺆﻣﻦ، ﻭﻻ ﻳﻨﺘﻬﺐ ﻧﻬﺒﺔ ﺫاﺕ ﺷﺮﻑ، ﻳﺮﻓﻊ اﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﺑﺼﺎﺭﻫﻢ ﻭﻫﻮ ﻣﺆﻣﻦ».

- ﻭﻓﻲ ﺭﻭاﻳﺔ: «ﻻ ﻳﺴﺮﻕ اﻟﺴﺎﺭﻕ ﺣﻴﻦ ﻳﺴﺮﻕ ﻭﻫﻮ ﻣﺆﻣﻦ، ﻭﻻ ﻳﺸﺮﺏ اﻟﺨﻤﺮ ﺣﻴﻦ ﻳﺸﺮﺑﻬﺎ ﻭﻫﻮ ﻣﺆﻣﻦ، ﻭﻟﻜﻦ ﺃﺑﻮاﺏ اﻟﺘﻮﺑﺔ ﻣﻌﺮﻭﺿﺔ».

ﺃﺧﺮﺟﻪ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺯاﻕ (13688) ﻗﺎﻝ: ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ اﺑﻦ ﺟﺮﻳﺞ، ﻋﻦ اﻟﻘﻌﻘﺎﻉ ﺑﻦ ﺣﻜﻴﻢ. ﻭ«ﺃﺣﻤﺪ» 2/376 (8882) ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺯاﻕ، ﻗﺎﻝ: ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ ﺳﻔﻴﺎﻥ، ﻋﻦ اﻷﻋﻤﺶ. ﻭﻓﻲ 2/479 (10220) ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺷﻌﺒﺔ، ﻋﻦ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ. ﻭ«اﻟﺒﺨﺎﺭﻱ» 8/164 (6810) ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺁﺩﻡ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺷﻌﺒﺔ، ﻋﻦ اﻷﻋﻤﺶ. ﻭ«ﻣﺴﻠﻢ» 1/55 (120) ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﻲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﺜﻨﻰ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ اﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻋﺪﻱ، ﻋﻦ ﺷﻌﺒﺔ، ﻋﻦ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ. ﻭﻓﻲ (121) ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﻲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺭاﻓﻊ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺯاﻕ، ﻗﺎﻝ: ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ ﺳﻔﻴﺎﻥ، ﻋﻦ اﻷﻋﻤﺶ. ﻭ«ﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ» (4689) ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺃﺑﻮ ﺻﺎﻟﺢ اﻷﻧﻄﺎﻛﻲ، ﻗﺎﻝ: ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ ﺃﺑﻮ ﺇﺳﺤﺎﻕ اﻟﻔﺰاﺭﻱ، ﻋﻦ اﻷﻋﻤﺶ. ﻭ«اﻟﺘﺮﻣﺬﻱ» (2625) ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﻨﻴﻊ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﺒﻴﺪﺓ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ، ﻋﻦ اﻷﻋﻤﺶ. ﻭ«اﻟﻨﺴﺎﺋﻲ» 8/64، ﻭﻓﻲ «اﻟﻜﺒﺮﻯ» (7314) ﻗﺎﻝ: ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ اﻟﺮﺑﻴﻊ ﺑﻦ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺷﻌﻴﺐ ﺑﻦ اﻟﻠﻴﺚ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ اﻟﻠﻴﺚ، ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺞﻻﻧ، ﻋﻦ اﻟﻘﻌﻘﺎﻉ ﺑﻦ ﺣﻜﻴﻢ. ﻭﻓﻲ 8/64، ﻭﻓﻲ «اﻟﻜﺒﺮﻯ» (7315) ﻗﺎﻝ: ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﺜﻨﻰ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ اﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻋﺪﻱ، ﻋﻦ ﺷﻌﺒﺔ، ﻋﻦ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ (ﺣ) ﻭﺃﺧﺒﺮﻧﺎ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻴﺎﺭ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﺜﻤﺎﻥ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺣﻤﺰﺓ، ﻋﻦ اﻷﻋﻤﺶ. ﻭ«اﺑﻦ ﺣﺒﺎﻥ» (4412) ﻗﺎﻝ: ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ اﻟﺼﻮﻓﻲ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ اﻟﺠﻌﺪ، ﻗﺎﻝ: ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ ﺷﻌﺒﺔ، ﻋﻦ اﻷﻋﻤﺶ. ﻭﻓﻲ (4454) ﻗﺎﻝ: ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﻘﻄﺎﻥ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺣﻜﻴﻢ ﺑﻦ ﺳﻴﻒ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﺒﻴﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ، ﻋﻦ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ اﻷﻋﻤﺶ.

ﻛﻻﻫﻤﺎ (اﻟﻘﻌﻘﺎﻉ ﺑﻦ ﺣﻜﻴﻢ، ﻭﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻣﻬﺮاﻥ اﻷﻋﻤﺶ) ﻋﻦ ﺫﻛﻮاﻥ ﺃﺑﻲ ﺻﺎﻟﺢ اﻟﺴﻤﺎﻥ، ﻓﺬﻛﺮﻩ.

الحديث صحيح متفق على صحته، ومحل الشاهد من الحديث أن وقت ممارسة المعصية، ينتفي الإيمان، فإن تاب المرء واستغفر رجع مؤمنا وإن أصر واستكبر أصبح كافرا.

أما إذا قرر المرء أنه سيسلم نفسه لله في كل شيء إلا أمرا واحدا فلن يطيعه فإنه ساعتها يصبح مشركا مهما يكن السبب وراء عصيانه لذلك الأمر، ودليل ذلك قول الحق سبحانه : 

﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة﴾

فالذي لا يسلم نفسه كلها لله، مشرك وإن كان الأمر الذي قرر معصيته ليس من الكبائر أصلا، فالعبرة ليست بطبيعة الأمر وإنما بمن أمر الأمر، ولذلك نجد إبليس كفر حين قرر أن لن يطيع أمرا واحدا وحلت عليه اللعنة، فالذين يقررون فعل معصية هي في الأصل ليست من الكبائر، ويصرون عليها، عليهم أن يعلموا أنهم بذلك يخلعون ربقة الإسلام من أعناقهم، فالله جل جلاله لا يقبل تسليما ناقصا، وقد ذكرت أدلة أخرى على كفر المصر على المعصية يمكن الرجوع إليها بالضغط هنا، كما زدت في بيان مفهوم الخضوع للعبادة في مقال مستقل تجده هنا .


author-img
داعية يحاول تقفي أثر الأنبياء في الدعوة

تعليقات

7 تعليقات
إرسال تعليق
  1. لتوضيح النقطة الأخيرة يقول ربنا عز وجل:
    ﴿إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين﴾
    فالذي يتكبر على أمر واحد من أوامر الله عز وجل بقراره أنه لن يطيعه كافر بنص الآية لن يلج الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، نسأل الله السلامة والعافية

    ردحذف
    الردود
    1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      تحياتى
      الكلام متناقض
      فى مطلع الحديث عرفت الطاعه هى العبادة وينبنى على ذلك ان كل معصية لله هى عبادة لغير الله وهذا هو عين الشرك
      ثم ميزت وفرقت
      انه هناك معاصى كبائر وغير كبائر
      ويفترض بهذه الادلة ان كل معصية لله هى عبادة لغير الله واشراك بالله
      يقول تعالى ( إن الشرك لظلم عظيم )
      شهادة التوحيد – الحد الادنى لاسلام
      وازيدكم بيانا فيما يلى

      حذف
    2. أعتقد أنك لم تكن دقيقا في نقلك لكلامي في المقال، فأنا في المقال لم أتطرق لتصنيف المعاصي إلى كبائر وغير كبائر وإنما صنفت المعاصي بحسب الدافع لها إلى نوعين
      معاصي غير مكفر بمعنى لا تلغي عقد الإسلام لله عز وجل وهي التي تصدر من المرء في حالة ضعف بشري ثم يستغفر الله ويتوب منها مثال ذلك معصية آدم صلى الله عليه وسلم لربه في أكله من الشجرة، آدم عليه السلام استغفر وتاب منها لذلك لم يكفر، هذا النوع من المعاصي لا فكاك منه للبشر وذلك لكون المرء يقوى ويضعف، فإذا كان مؤمنا يظل دوما في حالة استغفار
      النوع الثاني من المعاصي هو الذي يصدر كبرياء، في هذه الحال العاصي كافر لأنه استكبر على أمر الله عز وجل وقرر أنه لن يطيعه مثاله معصية إبليس لله عز وجل بعدم السجود لآدم، إبليس كما أخبرنا ربنا عن دوافعه
      أبى واستكبر وكان من الكافرين
      إذا نظرت بعين منصفة إلى المعصيتين تجد أن كلاهما معصية ومع ذلك كفر إبليس ولم يكفر آدم والسبب في ذلك أن آدم عصى في لحظة ضعف بشري واستغفر وتاب من معصيته وابليس عصى كبرا فهو يرى أن السجود لآدم غير لائق به نظرا لكونه يرى أنه خير من آدم بحسب منطقه ومن ثم كفر لأنه تكبر على أمر الله عز وجل

      حذف
  2. دليـل مقتضـى الشهـادتين
    """"""""""""""""""""""
    أول : معنى الشهادتين : الأصل اللغوي للشهادة من المشاهدة وهي الرؤية والمعاينة والبصر فيحدث ذلك العلم،فلا تقبل الشهادة إلا بالعلم ، أما من لا يعلم لا تقبل شهادته قال تعالى (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم)[آل عمران:18] فشهادتهم هي الحق مما شاهدوه وعلموه فأحدث ذلك العلم الخشية في نفوسهم ، ولذلك قال تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء)[فاطر:28] فهم وحدهم الذين يخشون الله تعالى فينيبون إليه ويتقوه ويستسلمون لأمره .
    وكما تكون الشهادة بالقول تكون بالفعل والحال قال تعالى (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون)[التوبة:17] فهم لم يقولوا أنهم كفار بألسنتهم .. وإنما أعمالهم وأحوالهم المخالفة ما أراد الله دالة على كفرهم ، وبهذا تبين أن الشهادة كما تكون بالقول تكون بالفعل ، وتنقض الشهادة بالقول أو الفعل ، ومن شهد أن لا إله إلا الله وهو مخالف مضمونها فهو شاهد على نفسه بالكفر .
    ثاني : معنى الإله لغة وشرع : ورد في لسان العرب :[(الإله) : كل ما عبد من دون الله فهو إله عند متخذه ، والمألوه هو المعبود، وأله عبد ، فالإله هو الله سبحانه سمي بذلك لأنه معبود ، وتأله الرجل إذا تعبد] وفي معجم مفردات ألفاظ القرآن : [(إله): جعلوه اسم لكل معبود لهم ، أله فلان يؤلهه إذا عبده ، فالإله هو المعبود] وفي القاموس المحيط: [(أله إلهة وألوهية) : عبد عبادة ، وكل ما اتخذ معبود فهو إله عند متخذه] وفي أساس البلاغة : [يتأله يتعبد ، وهو عابد متأله] ونستخلص مـما سبق أن الإله هو المعبود ، وأن من عبد شيئ فقد اتخذه إله .
    وعلى ذلك فالإله هو المعبود والمطاع والمتبع قال سبحانه (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه)[الجاثية:23] فقد سمى الله ما يطاع ويتبع إله ، إذ فالإله هو المتبع والمطاع والمعبود وقال المولى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباب من دون الله)[التوبة:31] فقال عدي بن حاتم الطائي (لم نكن نعبدهم ، فقال رسول الله (ص) ألم يحلوا لكم الحرام ويحرموا عليكم الحلال فاتبعتموهم ؟ قال بلى يا رسول الله ، قال فتلك عبادتكم إياهم) فسمى الله ورسوله ما يطاع ويتبع إله وقال تعالى (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله)[الشورى:21] فسمى الله من شرع شرع لم يأذن به شريك له تعالى ، بمعنى معبودا من دونه جل وعلا ، وقال سبحانه (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان)[يس:60] فالكل يلعنه ويبغضه وإنما يعبد بالطاعة والإتباع وهكذا قال الرسول (ص) (تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض)[رواه البخاري وابن ماجة عن أبي هريرة] فسمى من آثر هذه الأمتعة على طاعة الله ورسوله عبد لها وصارت عند من يعبدها إله من دون الله تعالى .
    إذ تحقق وباليقين الجازم أن من معاني الألوهية الطاعة والإتباع فإذا ما شهد المرء بأنه لا إله إلا الله وشهادته بعلم فإنه يعني بتلك الشهادة إفراد الله سبحانه وتعالى بالألوهية فهي تعني أنه لا معبود ولا مطاع بحق إلا الله سبحانه وتعالى وهذه هي شهادة الحق والمرء بعدها إما صادق وإما كاذب وصدقها إفراد الله تعالى بالعبودية فلا يعبد إلا إياه ولا يتبع الشيطان ولا الهوى ولا يقدم أي شيء من شئون الدنيا على طاعة الله وبهذا يكون صاحبها قد شهد شهادة الحق، وأما إذا شهد أنه لا إله – أي لا معبود بحق – إلا الله ثم هو يعبد الشيطان ، أي يعصي الله فيتبع أمر الشيطان أو هواه فإنه قد نقض شهادة "إن لا إله إلا الله" وإن استمر على ذلك فهو ليس صادق في الشهادة بل كاذب كما هو معلوم أن من شهد أن لا إله إلا الله وعبد غيره فإنما هو مشرك لا تصح شهادته ، فالشهادة هي إعطاء عهد ضمني أن الإنسان لا يعبد إلا الله فإذا ما تولى وأطاع غيره فقد نقض شهادته وعهده .
    ونحن نطرح هذا السؤال هل يصح توحيد الألوهية مع الشرك في العبادة ؟ والجواب : مما سبق أنه لا يصح ذلك فلا يكون المرء موحد في الألوهية إلا إذا وحد الله في العبادة .

























    ردحذف
    الردود
    1. والعبادة هي: الطاعة كما في القاموس ، وفي أساس البلاغة (استعبده الطمع وتعبدني فلان واعتبدني .. صيرني كالعبد له) قال الشاعر :
      تعبدني نمر بن سعد وقد رى ونمر بن سعد لي مطيع ومهتطع
      وفي هذا البيت دلالة أن العبادة هي الطاعة، وعبد الله تأله له، قال الفراء: عبد الطاغوت "أطاعه" .
      وعلى هذا فالعبادة هي الطاعة ، فإذا قلت "عبد فلان فلان" إنما تريد أطاعه ونفذ أمره ، ومن ذلك قوله تعالى (ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان ...الخ) إي: لا تطيعوه .. وأيسر من ذلك كله نقول أن الله خلق الخلق للعبادة ، وأرسل الرسل تدعوهم إليها فأمرتهم الرسل ونهتهم .. فمن أطاعهم كان عابد لله ، إذ فالعبادة هي الطاعة .
      ثالث : نجد أن الله يربط بين العبادة والألوهية والطاعة والإسلام بالرباط الوثيق قال جل ذكره (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)[الأنبياء:92] وقال أصدق القائلين (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون)[الأنبياء:25] وقال تعالى (فإلهكم إله واحد فله أسلموا)[الحج:34] وقال المولى (إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني)[طه:14] فلا يتم توحيد الإله إلا بعبادته وحده ، وقال سبحانه وتعالى (ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه)[الأنعام:102] وعلى ذلك من عبد غير الله فقد اتخذه إله ، وتجد ذلك في قوله عز وجل (أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون)[الزخرف:45] فالإله هو المعبود .. ومن عبد غير الله تعالى فقد اتخذه إله من دون الله ، وقال الله سبحانه تعالى (وقال الله لا تتخـذوا إلـهين اثنين ، إنما هو إله واحد فإياي فارهبون)[النحل:51] .
      وعلى ذلك بعث الله الرسل جميع تدعو الناس لإفراد الله وحده بالعبادة ، لأنه الإله الواحد قال تعالى (ولقد بعثنا في كل أمة رسول أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)[النحل:36] وقال (الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير * أن لا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير)[هود:2،1] فمدار آيات الكتاب مجملة ومفصلة على مبدأ واحد وحقيقة واحدة وهي إفراد الله بالألوهية ، وبيان لكيفية إفراده سبحانه بالألوهية ، ومن ثم كانت التكاليف بالعبادة سواء بالإيجاد أو بالامتناع لتحقق نفس المقصد وهو إفراده سبحانه بالألوهية ، ولذلك كان النقص المتعمد من هذه التكليفات ملازم بالحتم وباليقين لعدم إفراد الله تعالى بالألوهية ، ولا يتحقق إفراده تعالى بالعبادة إلا بإمضاء أحكامه واجتناب أمر الشيطان ، وأي إخلال في هذا الأمر يعتبر إخلال في إفراد الله وحده بالألوهية ، إذ فالإسلام لله لا يكون إلا بإخلاص العبادة له وحده .

      حذف
    2. وفي قصة هود وقومه قال تعالى (فأرسلنا فيهم رسول منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون)[المؤمنون:32] فقوله (أن اعبدوا الله) جملة تفسر موضوع الرسالة التي أرسل بها كل رسول ، وقوله (ما لكم من إله غيره) جملة تعليلية تعلل اختصاص الله بالعبودية ، فيختص وحده بالعبودية حيث أنه المخصوص وحده بالألوهية ، ومن عبد غيره فقد وقع في الشرك ، فلا يفرد الله بالألوهية إلا بإفراده بالعبادة ، فإذا وقع المرء في معصية فقد عبد غير الله وصار مشرك، قال تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا إله واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون)[التوبة:31] ولما كان الله هو الإله وحده فلا تحق العبادة إلا له فمن عصاه وخالف أمره لم يفرده سبحانه بالألوهية .
      وقال سبحانه تعالى (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عمل صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) [الكهف:110]فإخلاص العبادة لا يتحقق إلا بشرطين، الأول: أن يكون مصدر العبادة هو الله فلا يتعبد المرء بظنه ولا بهواه ، والثاني : أن يقصد بعبادته وجه الله فإذا فقد أحد الشرطين وقع الشرك ، فمن كان مصدر عبادته ظنه أو هواه فهو عابد لظنه وهواه ، ومن اتجه بعبادته لغير الله فهو المشرك ولم يحقق القدر الكافي من الإيمان ، وقال تعالى (قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب)[الرعد:36] وهنا لفتة مهمة وهي أن مفعول (أشرك) هو (به) ولم يقل (ولا أشرك بعبادة الله) وذلك لأن من أشرك بعبادة الله فقد اتخذ إلـه مع الله، أي "أشرك به" .وكثير ما تجد أن الله يربط بين الألوهية العبودية والإسلام والاستقامة ويتبين من ذلك أنه لا يوحد الإله ولا يفرد بألوهيته وربوبيته إلا إذا أفرد بالعبادة قال سبحانه (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين)[فصلت:6] فقد ربط الله بين الألوهية والعبودية والاستقامة إليه والاستغفار بفاء السببية أو الشرطية ، فالذي يفرد الله لا بد أنه هو الذي يعبد الله وحده ويسلم لأمره ويستقيم على شرعه ، فكونه الإله وحده يلازم ذلك ويشترط له الاستقامة على شرعه وصراطه المستقيم فلا يفارق هذا السبيل ولا يسلك غيره إذ هو الإله وحده فلا تسليم ولا استقامة إلا على أمره ، فهو المعبود بحق وويل للمشركين الذين لم يستقيموا على أمره ويستغفروه..وويل للذين فسقوا عن صراطه وخالفوه..وويل للذين أطاعوا من دونه آلهة أخرى .
      إن هذا لهو حق اليقين .. من لم يستقم إلى الله فليس من المسلمين وإنما هو من المشركين ، فكيف يستقام إلى الله .. أهو بلزوم أمره وصراطه الواحد أم باتباع سبل الشيطان ؟ (ما لكم كيف تحكمون) إنما يستقام إلى الله بسلوك صراطه واتباع أمره وعدم اتباع أمر الشيطان ، وعندما جهل الناس معنى الشهادة أصبح الإنسان ينطق بها وهو يعبد غير الله بخلاف ما كان عليه الأولون ، فقد كان يدعى العربي للشهادة فيدرك أن المطلوب منه هو إفراد الله بكل الطاعات فلا يطيع إلا الله ، ولذلك قال أعرابي : (إلى ما تدعو يا محمد ؟ قال إلى لا إله إلا الله ، قال إذ تحاربك العرب والعجم) وقال آخر : (هذا أمر تكرهه الملوك) وكل من بايع النبي (ص) على الشهادتين لم يتردد في أي طاعة ولم يقل إنما بايعتك يا محمد على الشهادة ، بل أنه يعلم أن كل الإسلام داخل في الشهادة ، وحتى لو كان منافق لم يقل ذلك وإنما سيلتمس له بعض الأعذار .
      وهذا الدليل كاف لإثبات أن الإسلام هو التزام كل الفرائض واجتناب كل المحارم وأن من ترك فرض أو ارتكب محرم فقد نقض شهادته وليس مسلم ولا يكون مسلما من عبد غير الله .. فنسأل الله أن يجعل شهادتنا صدق وعملنا حق أنه هو الموفق إلى الحق

      حذف
    3. إن احلال المنطق مكان النص وجعل النص خاضعا للمنطق البشري هو تعد لحدود الله عز وجل لأنه لم يأذن به، وهذا ما وقعت فيه أنت في تعليقاتك السابقة فمنطقك ينطلق من حقيقة أن العبادة تعني الطاعة، والذي عصى الله لم يطع الله وإنما اطاع الشيطان إذا هو مشرك
      هذا المنطق يكون صحيحا لو كنا نتحدث عن أمر دنيوي محكوم بالمنطق البشري، ولكنه منطق فاسد إذا تحدثنا عن دين الله عز وجل فدينه سبحانه لا يخضع لمنطقنا
      إن ما ذكرت من كون كل معصية كفر قول أتيت به من منطقك وهو مخالف لنصوص صريحة من بينها
      يا عبادي الذين أسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة
      فربنا نادى هؤلاء المسرفين على أنفسهم بقوله "يا عبادي" فنسبهم له وهو سبحانه لا ينسب الكافرين له فقد قال
      ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم
      كما نجده سبحانه نسب من يفعل الفاحشة للمؤمنين في
      واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ....
      والذان يأتيانها منكم
      فلم يخرجهم رغم فعلهم للفاحشة من جملة المؤمنين
      وغير هذه الأدلة كثير في الوحي قرآنا وسنة لذلك مسألة المعصية مسألة متعلقة بالدافع لها فإن كان الدافع الإصرار والإستكبار أو الجحود فهذا مكفر أيا كانت المعصية وإن كان الدافع ضعفا بشريا يعتري الناس كلهم يستغفر منه المذنب فهذا ليس بمكفر البتة وعلى هذا أتت النصوص

      حذف

إرسال تعليق

فهرست المقال