القائمة الرئيسية

الصفحات

عندما هجرنا تدبر القرآن عم التقليد


الحمد لله القائل في كتابه العزيز
وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون 
وصلى الله وسلم على من قال له وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وبعد،

لا نزال نواصل النتائج الكارثية التي عمت الأمة عندما هجرنا تدبر القرآن، والمصيبة التي سنتحدث عنها في هذا المقال هي الأساس لما أصاب الأمة من تفرق وتشرذم فيما بعد، والذي لا نزال نعيشه منذ أكثر من ألف عام، إنها مصيبة التقليد الذي عم الناس وما نجم عنه من ضياع وتشتت وتشرذم وضلال، فمنذ زمن والناس مقسمين إلى مجتهد ومقلد، وهذا مسلم به عند العامة والخاصة، لا يقبل النقاش وكأنه وحي من السماء علينا التسليم له، فهل الأمر كذلك فعلا؟! هل قسم الله الناس إلى مجتهدين ومقلدين؟ وما هو التقليد؟ وما هو الاجتهاد؟

للإجابة على هذه الأسئلة بشكل علمي، يزيل الشبه عن من لم يختم الله على قلبه، لابد، وحتما لابد، من الاستجابة ﻷمر الله في رد كل شيء عظم أو صغر إليه وإلى رسوله حين قال:

فإن تنازعتم في شيء، فردوه إلى الله والرسول. إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر. ذلك خير وأحسن تأويلا

ومن ثم فسوف نناقش هذا الموضوع من خلال الآيات والأحاديث الصريحة، فيزول الشغب ويزهق الباطل، ولكن قبل ذلك لابد من الوقوف على حقيقة التقليد، وحقيقة الاجتهاد، حتى إذا استدللنا بآية أو حديث ظهر وجه الاستدلال به، لعل الله يهدي طالب الحق الذي يؤمن بالآخرة، فهو الذي له أكتب، أما غيره ممن اتبع هواه، وكان أمره فرطا، فلا حجة تفيد معه ولا برهان والله المستعان.

ما التقليد؟

يمكن تعريف التقليد بأنه اتباع فتوى العالم دون الدليل، أو دون نسبتها لله ورسوله، كأن يسأل سائل من يظنه عالما قائلا ما حكم كذا؟ فيجيبه حكمه كذا،  دون أن يذكر له الدليل، أو أن يقول له حكم الله فيه كذا، أو يقول له حكم رسول الله فيه كذا، فيكون المستفتي مقلدا للمستفتى تابعا له فيما أفتاه.

ما الاجتهاد؟

عندما نبحث في مصطلح الاجتهاد عند أهله نجد له تعريفين متناقضين كما سنبين

التعريف الأول

الاجتهاد هو بذل الجهد في استنباط الحكم من أدلته الشرعية، وهذا التعريف مستند إلى اشتقاق الكلمة في اللسان فهي مشتقة من اجتهد.

الاجتهاد بهذه التعريف يستند للأدلة الشرعية المعتبرة والتي هي عند المؤمنين الوحي حصرا، أما عند غيرهم فهي كثيرة والله المستعان

التعريف الثاني

التعريف الثاني للاجتهاد يقوم على انعدام الدليل أي أنه رأي العالم إذا لم يجد الدليل، وهذا جلي في قاعدتهم "لا اجتهاد مع وجود النص" وكذلك في حديث معاذ الضعيف الذي يصدرون به كتبهم "أجتهد رأيي ولا آلو".

قبل التطرق لأدلة التقليد لابد من الانتباه ﻷمرين هامين في التعريفين السابقين للاجتهاد.

أولا أن التعريف الثاني هو المطبق فعلا من المجتهدين، وأنه محض الكذب على الله ورسوله إذ أنه يستند على عدم توفر النص عند المجتهد فيجتهد رأيه، مخالفا بذلك أحاديث صريحة شهيرة لايمكنه ادعاء جهلها وهي حديث عائشة "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ"، وحديث أبي هريرة "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ"، وعند أغلب المجتهدين حديث عبد الله  ابن عمرو الذي اخرجه البخاري في صحيحه في قبض العلم حيث قال:

إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْزِعُ العِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا، وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ العُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ، فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ، يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ، فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ

ثانيا أن المجتهد ليس ممضطرا للاجابة، فإن غاب عنه النص فلربما علمه غيره، فلماذا لا يقول لا أدري ما دام يجهل النص وهي الواجب عليها قولها بدل أن يضل ويضل؟! 

أدلة التقليد

عند مناقشة المقلدين والمجتهدين يستدلون بدليلين فيهما الرد عليهم ولله الحمد وهما :

أولا قول الله سبحانه وتعالى :

وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون (٤٣) النحل

لو تأملت الآية أخي الكريم لتبين لك بوضوح أن الآية لا تعني الفتوى أصلا، فهي ترد على كفار قريش الذين ادعوا أن الله لا يرسل رجالا، فأرشدهم إلى سؤال أهل الكتاب عن انبيائهم هل كانوا رجالا أم ملائكة؟ ولكن الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ويحعلونها في باب الفتوى.

إننا إذا تنزلنا وجاريناهم في دعواهم في الآية لايسلم لهم ان تكون حجة للتقليد،  فالذي نسأل عنه هو الذكر وليس إراء العلماء، وذلك في قوله "أهل الذكر" فسؤال أهل أمر ما، إنما يكون عن ما هم أهله، ولذلك لم يقل الله سبحانه وتعالى العلماء، بدل أهل الذكر، حتى لا يختلط الأمر رغم وضوحه، كما يتجلى أيضا أن ما نسأل عنه هو الذكر، وليس رأي العالم في قوله "إن كنتم لا تعلمون" فلو كان السؤال عن رأي العالم لما كان للشرط معنى، إذ أنه لا سبيل لمعرفة رأي العالم قبل سؤاله.

ثانيا قوله سبحانه وتعالى

وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون (١٢٢) التوبة

وهذه الآية فيها رد عليهم أيضا، ﻷن الله بين أنهم يتفقهوا في الدين والدين عند الله الإسلام الذي أنزل على عبده صلى الله عليه وسلم وحيا خالصا لا آراء بشرية، ومن ثم تقبل نذارتهم لما تعلموا من دين الله الذي من أعظم الكبائر فيه القول على الله بغير علم

ما سبب التقليد

السبب الأول للتقليد هو ضعف الإيمان بالآخرة وذلك ناتج عن هجران تدبر القرآن، فلو تدبر المرء القرآن لأيقين أن الخطب عظيم، وأن عذاب الله شديد، وأن الجنة غالية، ولتوثق من دينه أكثر من توثقه من أمر دنياه، فلا يقبل أن يعبد الله إلا بوحيه، موقن أنه لا حجة له بين يدي الله سوى القرآن وصحيح السنة، ولقد كان هذا الأمر جليا في حياة الصحابة فكثير من الأحاديث الصحيحة التي بين أيدينا هي سؤال لصحابي أو تابعي عن فعل أو أمر رسول الله في أمر معين فيجيبه المفتي بأن رسول الله فعل أو قال وهكذا، فما كانوا يسألون سؤالا مجردا دون أن ينسب إلى رسول الله .

مع تقادم الزمن ضعف الإيمان وصار الدين أمرا ثانويا عند الناس فالأحسن حالا من يسأل قائلا ما حكم كذا؟ بدل أن يقول ما حكم الله في كذا؟ ولو أنه سأل السؤال الثاني لتغير الجواب من المفتي، ولعلم المفتي أن السائل يبحث عن ما قال والله  ورسوله، وليس عن قالوا وقيل والجمهور واختلفوا …

إذا لم يقلد الجاهل فماذا يفعل؟

لعله يتبادر إلى ذهنك سؤال هام إذا لم يقلد الجاهل فماذا يفعل؟ والجواب من عند الله في آية النحل السابقة، أي أنه يسأل أهل الذكر عن وحي الله في المسألة بمعنى أن صيغة السؤال تكون ما حكم الله في كذا؟ ما فعل رسول الله في كذا؟ هل من آية أو حديث صحيح في كذا؟ وهكذا يخرج من التقليد ويعتصم بحبل الله المتين.


ما حكم التقليدية في الوحي؟

في هذا المقطع يبين المحاضر حرمة التقليد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


في المقال القادم بإذن سنتحدث عن بداية تشرذم الإمة وضلالها عن محمد صلى الله عليه وسلم كإمام ومتبوع وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

author-img
داعية يحاول تقفي أثر الأنبياء في الدعوة

تعليقات

فهرست المقال