القائمة الرئيسية

الصفحات

تم نقل المقال إلى المدونة الجديدة وعنونته ب

السنة النبوية ماهيتها وحجيتها والرد على منكريها


النسخة القديمة

منذ عصور والجدل قائم حول ماهية السنة، بين معتبر لها وحي ثان مساوي للقرآن، وبين معتبر لها شارحة للقرآن وحسب، وبين من يردها جملة وتفصيلا، ويعتبرها جزءا من التراث قد كمل الدين قبله، العامل به مشرك في زعمه، وإننا ونحن نؤسس لعقيدة متينة مستندة على أدلة وبراهين ساطعة، ينبغي أن نحسم هذا الخلاف بشكل قاطع، لا تبقى معه شبهة لدى القارئ، وليس ذلك لحسم الخلاف وحسب، وإنما لمعرفة رسالة الله التي أنزل إلينا، هل هي القرآن فقط، أم القرآن والسنة؟ 

لقد بينا في مقال سابق بعض الأدلة العقلية القاطعة التي تثبت أن القرآن كلام الله عز وجل، ويستحيل على كل البشر أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، لذلك سنعتمد على القرآن في مناقشة حجية السنة، ولكن قبل ذلك ينبغي أن نعرف السنة، فمما هو ملاحظ جهل الكثير من منكري السنة السنة نفسها، فنقول: 

ماهية السنة

السنة هي ما ثبت  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل أو قول أو تقرير وكان له طبيعة تشريعية،  وقولنا ما ثبت عن رسول الله نقصد به ما نقله الثقة الضابط عن مثله بلا شذوذ ولا علة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ما ثبت بتعاضد الطرق التي تصلح للاستشهاد والمتابعة، بحيث لا يكون فيها راوي متروك أو كذاب، فإذا علم هذا، علم أن الحديث الضعيف أيا كان نوع ضعفه، ليس من السنة أصلا ولا تقوم به حجة، لذلك وجوده ليس بمطعن في السنة أصلا لأنه ليس منها.

ونقصد بالطبيعة التشريعية للأقوال أو الأفعال أو التقريرات، ما كان داخلا في التشريع، بمعنى أنه يحل أو يحرم أم يكره أو يندب او يجوز، ويكون عاما على الأمة، وليس ذا طبيعة دنيوية. فالنبي صلى الله عليه وسلم قد بين أننا أدرى بشؤون الدنيا. 

أدلة كون السنة جزء من الوحي

الدليل الأول: أمر الله لنا بطاعة الرسول 

لقد أمر ربنا عز وجل في كثير من الآيات بطاعة الرسول، وجعلها متمايزة عن طاعة الله، من ذلك قوله : 

﴿قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين﴾

فأمر المؤمن بطاعتين متمايزتين وهما طاعة الله، وطاعة الرسول،  ورغب في الأخيرة في نهاية الآية، لذلك متى ثبت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجبت طاعته، وهذا بالضبط ما ندعوه السنة، فهي أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا الثابتة عندنا، ومن لم يطعها فقد نفى الله عنها الإيمان في الآيات التي قبل هذه الآية، حيث قال: 

﴿ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين﴾﴿وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون﴾﴿وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين﴾﴿أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون﴾

الدليل الثاني: عدم تقول رسول الله صلى الله عليه وسلم على ربه عز وجل

يقول ربنا عز وجل: 

﴿ولو تقول علينا بعض الأقاويل﴾﴿لأخذنا منه باليمين﴾﴿ثم لقطعنا منه الوتين﴾﴿فما منكم من أحد عنه حاجزين﴾

فلو تقول رسول الله صلى الله عليه وسلم على ربه لتحقق وعيد الله له، ونظرا لكون رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينزل به وعيد ربه، علم يقينا أنه لم يتقول على ربه، ومن ثم إذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كلاما في الدين فهو من وحي الله عز وجل، وليس تقولا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الدليل الثالث: استحالة أن تكون الرسالة القرآن فقط

يقول ربنا عز وجل: 

﴿وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون﴾

ويقول أيضا: 

﴿ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين﴾

ويقول أيضا: 

﴿لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون﴾

وغير هذه الآيات التي تدل على أن الكتاب فيه بيان كل شيء وتفصيله، وأنت أيها القارئ إذا قرأت القرآن من الدفة إلى الدفة ألف مرة لن تجد بيان عدد الصلوات ولا كيفيتها، ولن تجد النصاب من الزكاة ولن تجد كثيرا من التفاصيل، مما يجعلك تعلم يقينا أن الكتاب المقصود في الآيات ليس القرآن فقط، بل شيء أشمل من القرآن فيه تفصيل كل شيء، فما هو؟

إن كلمة الكتاب تأتي في لسان العرب بمعنى الكتاب المكتب بين دفتين، وتأتي أيضا بمعنى الرسالة كما في قول الحق سبحانه:

﴿اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون﴾﴿قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم﴾

وهذا المعنى أي الرسالة هو المقصود في القرآن الكريم، وقد نص القرآن على ذلك صراحة حين قال : 

﴿وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين﴾

فعلم أن القرآن، تفصيل الكتاب، أي الرسالة، وليس كل الرسالة المرسل بها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، التي فيها بيان وتفصيل كل شيء، ولقد فصلت في هذا الموضوع في مقال مستقل بعنوان انتبه !! فكتاب الله ليس القرآن فقط.

نكتفي بهذا القدر من الأدلة التي يتبين منها أن السنة النبوية، جزء من الوحي مثلها مثل القرآن تماما، والباحث في القرآن سيجد بلا شك الكثير من الأدلة الأخرى التي تثبت أن السنة وحي من الله عز وجل، كما أن السنة نفسها قدمت الكثير من الأدلة العقلية أنها لا يمكن أن تكون إلا وحيا من الله عز وجل وذلك بما حوت من حقائق علمية دقيقة جدا، لم تعرف إلا حديثا، وبما حوت من آيات تحققت فعلا بعدها بقرون.

شبهات وردود

إن المتأمل لحال منكري السنة، يجد القوم أوتوا من جهتين، الجهل بلسان العرب من جهة، والجهل بالقرآن والسنة نفسها، وإليك بيان ذلك.

يتضح جهل القرآنيين بلسان العرب، حين يزعمون أن الله عز وجل لم يوحي على محمد صلى الله عليه وسلم غير القرآن ويستدلون بآيات منها : 

﴿قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون﴾

ومنها : 

﴿وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا﴾

ولو تأملت الآيات وقراتها ألف مرة لن تجد فيها حصر الوحي في القرآن، حيث أن الآيات لم تحوي أداة حصر، أو أسلوب حصر، فلم يقل ربنا وأوحي إلي هذا القرآن فقط، مثلا، ولم يقل ولم يوحى إلي غير هذا القرآن، فكل ما في آية الأنعام أن الله أوحى القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا حق، ولكن ليس في الآية أن الله لم يوحي غير القرآن، لذلك أقول أن القرآنيين يجهلون لسان العرب، حيث استدلوا بآية على الحصر، دون أن يكون فيها أداة حصر، أو أسلوب حصر.

يتجلى جهلهم بلسان العرب أيضا في جهلهم بمعنى كلمة الكتاب فيفسرونها بالقرآن وحده، وهي في الحقيقة أشمل من ذلك كما بينت آنفا.

أما من جهة جهلهم بالقرآن والسنة فيتجلى ذلك في نسبتهم للسنة، ما ليس منها، فالحديث الضعيف ليس من السنة أصلا، ولا معنى أن يطعن في السنة بما ليس منها، كما يتجلى في ادعائهم أن متبع السنة مشرك بالله، وهذا مناف لقول الحق سبحانه: 

﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا﴾

فبين سبحانه أن طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، من طاعته عز وجل وليست مستقلة عنها، مما يؤكد مما لا يدع مجالا للشك أن الأوامر التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست من عنده وإنما هي وحي الله عز وجل.

إن الجهل لدى العوام بلسان العرب، وبالسنة نفسها، هو سبب افتتان كثير منهم بشبهات القرآنيين، التي تنهدم عند التحقيق والتنقيح.

نكتفي بهذا القدر الموجز، ونسعد بأي نقاش علمي يسعى صاحبه لمعرفة الحق، ونعرض عن كل ناعق بما لا يعلم.

author-img
داعية يحاول تقفي أثر الأنبياء في الدعوة

تعليقات

فهرست المقال