القائمة الرئيسية

الصفحات

مقارنة بين الفتح الإسلامي والاستعمار الأوروبي

مقارنة بين الفتح الإسلامي والاستعمار الأوروبي

الحمد لله الذي أخرج الذين آمنوا من الظلمات إلى النور، والصلاة والسلام على الصادق الأمين، وعلى صحبه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

لا نزال مع الحالة التاريخية الفريدة من نوعها نتأمل مشهدها الساحر المبهر، الذي يعجز الخيال عن تصوره، وتعجز الكلمات عن وصفه، فكما رأينا في المقال السابق من هذه السلسلة كيف وفى الله بعهد الصحابة رضوان الله عليهم، عندما وفوا بعهده سبحانه فمكن لهم بالرغم كل الصعاب التي تعترض هذا التمكين، واستطاعوا بفضل الله وحده تحقيق حلم الدولة المثالية بحق على الواقع، نقف اليوم مع حالة فريدة من نوعها لم يسبق ان حدثت في التاريخ، لا قبل الصحابة ولا بعدهم، إنها الفتح الإسلامي الذي قام به الصحابة رضوان الله عليهم.

إنما نسميه نحن الفتح الإسلامي، يسميه الكفار استعمارا إسلاميا، حيث يرون أن المسلمين استعمروا شعوبا لم تكن تحت سلطتهم أصلا، وإنما انتزعوهم من سلطة الدولة الرومانية أو الفارسية آنذاك. 

وهذا الوصف هو في الحقيقة ما حدث بالفعل، فالمسلمون انتزعوا الأراضي من الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية، وفرضوا الجزية على من لم يسلم من شعوب تلك البلاد، وهذا بالضبط ما فعله المستعمر الغربي أيام النهضة الأوروبية، فلماذا نطلق على الاستعمار الإسلامي فتحا إسلاميا، ونطلق على الاستعمار الأوروبي استعمارا بما تحمله الكلمة من ظلم وبشاعة؟!

الجواب يكمن في الفارق الكبير بين الاثنين، هذا الفارق مرده اختلاف البواعث في الحالتين، ففي حالة الاستعمار الأوروبي كان الجشع المادي الغير محدود بأي شيء هو الباعث على الاستعمار، فكانت المستعمرات، تظل مستعمرات لا تنتمي للدولة المستعمرة، تنهب خيراتها ويعبد أهلها شر استعباد، فهم فئران تجارب في المختبرات، وخدم في البيوت، ووقود لنار الحرب متى اندلعت، لذلك كان الاستعمار الأوروبي عنوانا للوحشية والظلم، وشاهدا على أشد عصور البشرية ظلاما في التاريخ كله.

أما في حالة الفتح الإسلامي كان الباعث مختلفا تماما ليس أي علاقة بالمكسب المادي، فالباعث إخصاع العباد لشريعة رب العباد، فهذا هو هدف القتال أصلا حيث قال رب العالمين:

﴿وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير﴾

وما دام الأمر كذلك فإن الكل سينعم ويسعد، فالبلاد التي فتحت حديثا، أصبحت جزءا من الدولة الإسلامية، وليست مستعمرة للدولة الإسلامية، والفرق كبير بين الحالتين، فهذه البلاد ينعم سكانها بحماية المسلمين، يستطيعون أن يمارسوا دينهم بكل حرية وأمان دون أن يتعرض لهم أحد، أموالهم مصونة من النهب، وأعراضهم مصونة من الانتهاك، ودماءهم محرمة تماما كدماء المسلمين، يعيشون بكل أمن وأمان، في المقابل يدفع المستطيع منهم الجزية، والفقير منهم له حق في مال المسلمين الغزاة المستعمرين بنظر الغربيين، حيث أن المؤلفة قلوبهم لهم نصيب من زكاة المسلمين.

مما يعني أننا في الفتح الإسلامي أمام حالة فريدة ينعم فيها من تعرض للغزو، بخدمة الغازي له، فهو يحميه دون أن يشارك عسكريا، وينفق عليه من مال الغازي إذا تطلب الأمر، لذلك كان الفتح الإسلامي بحق نقيض الاستعمار الأوروبي في كل شيء.

إن الناس حين رأت عدل الإسلام، وأخلاقه ممثلة في الصحابة رضوان الله عليهم، أسلموا أفواجا وبشكل سريع، فكل الشعوب التي شرفها الله بالفتح الإسلامي حينها دخلت في الإسلام طواعية وحبا فيه ورغبة، لما يرون من عدله وبركته، هذا الأمر فريد في التاريخ فلم يحدث أن اعتنقت شعوب بأكملها دين غازيها فورا، وبالصفة التي حدثت أيام الصحابة، فكل سكان إمبراطورية فارس يوما دخلوا الإسلام طوعا، وكذلك الشام ومصر، كل هذه الشعوب اعتنقت دين الغزاة دفعة واحدة ممثلة حالة يتيمة في تاريخ البشرية، ولا غرو فالفاتحون يومها لا نظير لهم في تاريخ البشرية.

إن أقوى دليل على صدق إيمان المسلمين في تلك البلاد المفتوحة، خضوعهم لسلطة الدولة وسعيهم في الجهاد في سبيل الله، وعدم السعي في طعن الدولة من الخلف في مجملهم، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقضي أربعة عشر سنة في الخلافة دون حراسة شخصية بالرغم من كثرة الفتوحات والشعوب التي انضمت للدولة الإسلامية، مما يعني أن الملايين التي انضمت للمسلمين يومها كانوا صادقين بالفعل واستمرت الفتوحات، وظلت الدولة الإسلامية تتمدد. 

إن وجود أمثال أبو لؤلؤة المجوسي على قلتهم، هو الاستثناء الذي يثبت القاعدة، فهو وأمثاله رغم خطورتهم كما سنرى في المقالات القادمة، لا يمثلون شيئا بالنسبة للشعوب التي دخلت الإسلام في تلك الفترة وحملت لواء الإسلام آنذاك.

قبل أن أختم هذه المقارنة بين الفتح الإسلامي والاستعمار الأوروبي، يجب التنبيه على الفارق الكبير بين العبودية في الإسلام، والعبودية في الأنظمة الغربية، لأننا نظرا لبشاعة هذه الأخيرة، ونظرا لمدى فظاعة الجرائم التي ارتكبت في حق العبيد والتي لا تزال المعالم تشهد عليها، صرنا نربط في اللاوعي بين العبودية والظلم، والحق أن العبودية في الإسلام مختلفة تماما عنها في الجاهلية الغربية، فهي في الإسلام أخوة كما عبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله مخاطبا أبا ذر رضي الله عنه: 

ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺫﺭ، ﺃﻋﻴﺮﺗﻪ ﺑﺄﻣﻪ، ﺇﻧﻚ اﻣﺮﺅ ﻓﻴﻚ ﺟﺎﻫﻠﻴﺔ، ﺇﺧﻮاﻧﻜﻢ ﺧﻮﻟﻜﻢ، ﺟﻌﻠﻬﻢ اﻟﻠﻪ ﺗﺤﺖ ﺃﻳﺪﻳﻜﻢ، ﻓﻤﻦ ﻛﺎﻥ ﺃﺧﻮﻩ ﺗﺤﺖ ﻳﺪﻩ ﻓﻠﻴﻄﻌﻤﻪ ﻣﻤﺎ ﻳﺄﻛﻞ، ﻭﻟﻴﻠﺒﺴﻪ ﻣﻤﺎ ﻳﻠﺒﺲ، ﻭﻻ ﺗﻜﻠﻔﻮﻫﻢ ﻣﺎ ﻳﻐﻠﺒﻬﻢ، ﻓﺈﻥ ﻛﻠﻔﺘﻤﻮﻫﻢ ﻓﺄﻋﻴﻨﻮﻫﻢ

الحديث ورواياته وتخريجه تجده هنا

فالعبودية في الإسلام أخوة، وليست وسيلة استعلاء وطغيان، وقد تجلى هذا في عصر الصحابة رضوان الله عليهم، فكانوا يعاملون عبيدهم معاملتهم لأنفسهم ولذلك كان جل علماء التابعين عبيدا سابقين، فشتان ما بين عبودية يصير فيها العبد عالما سيدا بعلمه، والعبودية الجاهلية البشعة التي مارسها الغرب أيام الثورة الأوروبية، والتي لا تزال تمارس في أيامنا هذه بأشكال أخرى، ولكن بحياء، بالرغم من التشدق بالحرية وحقوق الإنسان. 

إن ذلك الجيل الفريد في إيمانه، والفريد في أخلاقه، والفريد في معاملاته، هو نفسه الذي كان يأكل الميتة ويئد بناته وهن أحياء، ولكنه آمن فعلا كما أراد الله منه، وحقق عهد الله وهو الإيمان الخالص، وابتلي وصبر، فكانت النتيجة أن حقق الله له عهده، فمكن له، وجعله حالة فريدة في العلو والسموق، يعجز البصر عن اللحاق بها.

نحن أيضا بإمكاننا بالرغم من كل شيء، أن نتغير ونعلوا، كما علوا، ونفوز كما فازوا، فقط علينا أن نؤمن كما آمنوا، وهذا ميسور لمن أراد فلا يزال الوحي كما هو يوم نزل، ولا ينقصنا إلا القرار الصادق والعزيمة والصبر على ما نلقى، وهو أمر يمد الله به الصادقين، فماذا تنتظر ؟!!!

author-img
داعية يحاول تقفي أثر الأنبياء في الدعوة

تعليقات

فهرست المقال