القائمة الرئيسية

الصفحات

فقه الدعوة

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالبينات والهدى ليخرج الناس من الظلمات إلى النور والصلاة والسلام على السراج المنير الداعي إلى الله بإذنه وبعد

بالرغم من كثرة المشتغلين بالدعوة إلى الله إلا أن فقه الدعوة مجهول عند أغلب الدعاة، وهذا ما يفسر التباين في المناهج الدعوية المتبعة، فالبعض يرى أن الدعوة إنما تكون بالسيف نظرا لكون ذلك آخر ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الكفار بغض النظر عن الاختلاف في الظروف التي نعيشها مع تلك فرض فيها الدعوة بالسيف، والبعض الآخر يرى أنه يجب مراعاة الظروف والنظر في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم البحث عن ظروف مشابهة لها لنطبق عليها ما طبقه رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الظروف. 

مشكلة أصحاب هذا الطرح الأخير أنه يعوزهم الدليل على طرحهم، بينما مشكلة الذين يرون الدعوة بالسيف أنهم غير واقعيين في طرحهم يصطدمون بصخرة الواقع المعاصر فالأرض كافرة إلا من رحم الله ومن العبث تطبيق الشريعة على شعوب مشركة أصلا، لذلك هناك مشكلة حقيقية مردها الجهل بفقه الدعوة، سنحاول في هذه السطور تسليط الضوء على بعض جوانبه

إن الدعوة إلى الله عبادة، ومن ثم فإنها توقيفية، يجب أن تمارس كما مارسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس للمرء أن يدعو كما يحلوا له، وإنما يدعو وفق منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة، هذا أولا، ثانيا إن الدعوة كعبادة هي العبادة الوحيدة التي مارسها رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته بلا انقطاع وبلا تكرار، بمعنى أنه بدأ فيها يوم بعث ولم ينتهي منها إلا عندما توفي صلى الله عليه وسلم، فهي ليست كبقية العبادات الظرفية كالصلاة مثلا والصيام يكررها المرء كلما حان وقتها، بل عبادة متصلة تعبر عن سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخبر ربنا في قوله 

﴿قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين﴾

فالدعوة هي العبادة التي بدأ رسول الله يوم بعث، وظل فيها إلى يوم توفي، مرت بمراحل عدة نذكر منها سريعا 

البدء بدعوة الأقارب والتكتم على من أسلم، وفي نفس الوقت إنشاء الجماعة المسلمة والتكتم عليها؛

بعدها إنشاء مكان للدعوة سري لتعليم الدين الجديد والشعور باللحمة؛

بعد ازدياد الجماعة وبعد أن قويت، إعلان الجماعة المسلمة، واعلان العصيان المدني المسالم لسلطة قريش؛

الصبر والتآزر واستغلال المواسم للدعوة، في مكة؛

الهجرة إلى الحبشة، وخلق قاعدة احتياطية للجماعة المسلمة خارج سلطة مكة؛

البحث عن فضاءات جديدة لاستقبال الدعوة، بعد توقفها عمليا في مكة؛ 

الهجرة إلى المدينة وعقد وثيقة المدينة التي تقوم على التعايش بين الأديان المختلفة في المدينة بما يضمن حرية الدين للمكونات الثالثة، المسلمين واليهود والمشركين. 

إعلان العداء لسلطة مكة كردة فعل على عدائهم للمسلمين واستباحة أموالهم. 

الجهاد المسلح مع المحاربين من الكفار سواء كانوا يهود أو مشركين.

صلح الحديبية مع سلطة مكة، والتحالف مع بني خزاعة المشركين.

دعوة أهل الأرض كافة دفعة واحدة وإعلان الجهاد العالمي حتى يكون الدين كله لله.

إنهاء العقود مع المشركين وإمهالهم أربعة أشهر، بعدها ليس لهم عهد عن الله ولا عند رسوله 

إخراج المشركين من جزيرة العرب.

تلك هي المحطات العامة لشعيرة الدعوة، فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم خلال ممارستها، تماما كما أن المبتدئ في الصلاة يبدأ تكبيرة الإحرام ثم دعاء الاستفتاح وهكذا حتى يصل إلى جلسة السلام ثم السلام، لذلك الذي يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم مجبر بالدعوة كما دعى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنفس المنهج يبدأ مع المشركين كما بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يتدرج بتدرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسب الظروف، وليس بحسب المدى الزمني، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتدرج في الدعوة بحسب الظروف وليس وفقا جدول زمني معد سلفا.

أما الذي يقول أن الدعوة في زماننا إنما تكون بالسيف بحجة أنها آخر ما فرض، غير آبه بما تم قبلها كمن يقول أن الصلاة اليوم إنما هي جلسة السلام أو السلام باعتبار أنه آخر ركن في الصلاة ولا فرق، لأن الدعوة كما أسلفت عبادة واحدة بدأها رسول الله يوم بعث ولم تنتهي إلا بوفاته صلى الله عليه وسلم، ولم يكررها رسول الله لذلك قبل أن نطبق آخرها علينا أولا أن نطبق أولها.

إن الجهل بهذا البعد عند الجماعات الجهادية - وأنا هنا أتحدث بصفتي أحد ابناء التيار الجهادي سابقا - جعل هذه الجماعات تقع في مناقضة الواقع بحيث أن الأماكن التي سيطرت عليها ظل أهلها مشركون رغم ادعاءهم للإسلام، فالجماعات المسيطرة تجهل الإسلام أصلا بحكمها للشعوب الكافرة بالإسلام، وتطبيقها للشريعة تطبيق مبتور حيث أن الأساس العقدي مفقود لكي تثمر الشريعة. 

إن الأساس العقدي لن ولا يمكن أن يبنى بقوة السيف مطلقا فهو كما بينا سابقا يجب أن يبنى على أدلة يقينية، وهذا يستلزم الدعوة بالكلمة المجردة من كل زينة مادية كانت أو معنوية، وهذه بالضبط هي الدعوة التي بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكيل نواة الأمة المسلمة بها.

author-img
داعية يحاول تقفي أثر الأنبياء في الدعوة

تعليقات

فهرست المقال