القائمة الرئيسية

الصفحات

الحمد لله الذي أنزل الكتاب والصلاة والسلام على من أنزل إليه الكتاب هدى ورحمة وبشرى للمسلمين وبعد.

إن تدبر القرآن الكريم أمر رباني أمرنا الله به في قوله:

كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٩) ص

لذلك وجب علينا السمع والطاعة، وتعاونا على تدبر القرآن، أكتب لك أخي هذا المقال راجيا من الله أن يتقبله مني كتابة، ومنك قراءة وتعليقا ونقدا.

فوائد تدبر القرآن

أخي القارئ ليس تدبر القرآن كغيره من أوامر الله عز وجل، أمر خير وحسب، بل هو أحد مفاتيح الخير العظيمة، فهو سبيل الاستفادة من القرآن حيث أنه السبيل لجني فوائد القرآن التي تزيد الإيمان وتطمئن القلوب وتجلي الأحزان، فالتدبر إذا هو البصر الذي نرى به نور القرآن الكريم، والقلب الذي يستشعر رحمة القرآن، والعقل الذي يستقبل أمر القرآن، فبدونه يبقى المرء كالأعمى الأصم الأبكم الذي لا يعقل.

أخي القارئ حين تبدأ في تدبر القرآن الكريم، ستشعر بأنك تولد من جديد، وأن الآفاق تتفح أمامك، وأن الظلمة تنجلي من أمامك، وستسكن روحك، ويطمئن قلبك لما ترى من بحر العلم الذي يفتح أمامك، فلا ظنون، ولا تخبط، فهذا الحق الذي طالما بحثت عنه في نفسك، ولكن الأبواب دونه كانت مغلقة، والخيط مفقود، فكل من حولك يعيش في ظلام لم يعرف النور لحظة من حياته، أخي الكريم حين تبدأ بتدبر القرآن ستستبشر ببشارة الحياة لمن يئس منها، وستشعر بإيمانك يزداد، وكم هي السعادة عارمة حين تشعر أنك من المؤمنين الذين يزيدهم القرآن إيمانا وأنه يتحقق فيك قول الله عز وجل:

وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً؟ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوافَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ

ستبدأ تشعر بالغربة شيئا فشيئا، ومدى الغبن الذي كنت فيه، كما ستدرك غباء من حولك ممن يلهثون وراء أقوال البشر، ويتركون كلام الله، وستصدم حين تدرك أن كثيرين ممن كنت تظنهم علماء، هم في الحقيقة خشب مسندة يجهلون حقائق بديهية، أكد عليها القرآن الكريم في كثير من الآيات.

لولا مخافة الإطالة لواصلت في بيان ما ستشعر به حين تتدبر القرآن الكريم من المبشرات التي هي خير من الدنيا وما فيها، لذلك أتوقف هنا لنبدأ في معرفة التدبر وما تحتاجه لكي تتدبر كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

ما معنى تدبر القرآن؟

التدبر أخي الحبيب هو النظر في عاقبة الأمور، والتأمل والتفكر، ويمكن تلخيص تدبر القرآن في البحث عن كنز المعلومات اللا متناهي خلف كل آية، وخلف كل كلمة، وما يترتب على ذلك من عمل، فالقرآن ليس كتاب علم مجرد نظري بل كتاب عمل أنزل لنعمل به.

وفي المثال التالي سأتدبر معك أخي الفاضل آية في سورة النمل، لنستخرج سوية منها بعض الفوائد الهامة، وليس كلها قطعا، فهي كغيرها من آيات القرآن نهر علم لا ينضب، سيظل المتدبرون يستخرجون منها الفوائد ما شاء الله دون أن تنفد فوائدها.

مثال على التدبر

يقول الله سبحانه وتعالى :

حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩) النمل

الآية أخي كما هي أمامك واضحة بينة ليس فيها كلمة مشكلة أو تعبير غامض وكذلك سائر القرآن.

أخي أدعوك قبل مواصلة القراءة في المقال أن تقرأ الآية مرات بتأمل وتسجل ما حصلت عليه من فوائد، لتضيفها لما حصلت أنا عليه وتضعها في تعليق لنتدارسها.

الفوائد 

  • للنمل لغة مفهومة يتواصل بها، وليست كما ادعى العلم الحديث لغة كيميائية، ﻷن نداء النملة يستلزم أنها تملك لغة للتواصل، كما أنه لا يمكن أن يصل النداء للكل في آن واحد بالرسائل الكيميائية.

  • أن النمل يدرك تماما ما يدور في عالم الإنسان، فهذه النملة عرفت أنه سليمان عليه السلام، وأن من معه جنده.

  • أن للنمل علم بعدل سليمان، حيث أنها نفت عنهم قصد تحطيم النمل. 

  • أن مساكن النمل قادرة على حمايته، وإلا ما كان لأمرها بالدخول فيها معنى.

  • أن سليمان يعرف لغة النمل.

بناء على ما سبق يمكننا التعايش مع النمل كبشر وقد جربت ذلك بنفسي فترة من الزمن .

أرأيت أخي الفوائد التي استخرجناها من هذه الآية، والتي ليست إلا جزءا صغير من ما تحمله الآية من الفوائد .

إن هذه الفوائد لتزيد الإيمان لما فيها من عظيم قدرة الله سبحانه وتعالى، كما أنها تبعث على احترام الحياة والتآلف مع المحيط، وهو من الأمور الأساسية التي يتميز بها المؤمن عن الكافر الذي يرفضه كل الكون .

هذا مثال على التدبر وإن يسر الله أنوي إطلاق مشروع تدبر كتاب الله كله مع القراء في القريب العاجل بإذن الله فتعم الفائدة إن شاء الله.

كيف تتدبر القرآن الكريم

من فضل الله ومنه وكرمه وجوده الذي لا ينقطع عن المؤمنين أن جعل تدبر كتابه سهلا ميسورا لمن أراد الله به خيرا، كما سنرى في شروط التدبر التي استخرجتها من الكتاب والسنة ولم أبتدعها .

بداية تدبر القرآن مأمور به كل مؤمن، ولذلك فهو في متناول كل مؤمن فالله لم يكلفنا إلا ما هو في وسعنا، لذلك هذه الشروط متوفرة في كل مؤمن حقيقي بما في ذلك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم، أنقلها لك ليس للتدبر القرآن وحسب، بل لتكون على ما كانوا عليه .

الشرط الأول: أن تشعر أن القرآن أنزل إليك

نعم أخي أول شرط في تدبر القرآن أن تشعر بأن القرآن أنزل إليك أنت تحديدا فهو كذلك كما بين الله حين أمرك الله في قوله : 

قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦)

إن هذا الشرط بديهي، والقرآن لا يزال يذكرك به من الفاتحة حتى الناس، فتارة يتكلم على لسانك، وتارة يناديك انت تحديدا، وتارة يناديك في جملة الناس، وتارة يقص عليك وهكذا لا تغيب عنه في حال من الأحوال .

الشرط الثاني : اللسان العربي

الشرط الثاني هو أن تفهم الآية التي تريد تدبرها فهما لسانيا بحتا ودليل ذلك قول الله : 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ: حم. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ

هذا الشرط ولله الحمد والمنة ميسور، فكتاب ميسر، مبين، بينات، لم تبق كلمة تشتق من الفعل "بين" إلا ونعت الله بها كتابه، فهو بيان، مبين، بينة، بينات، مبينات، ... وهو أيضا ميسر، ومفصل، ولله الحمد ابتداء وانتهاء، قال الله : 

هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٨) 

الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١)

وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣)

فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا

فَإِنَّمايَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨)

والآيات التي تتحدث عن بيان القرآن ويسره أكثر من أن يسعها مقال.

الشرط الثالث : الإتيان بقلب منيب

نعم أخي، ليس كل أحد يمكنه فهم وتدبر القرآن الكريم، ولو كان من كان في اللغة العربية والبيان، ذلك أن القرآن مع بيانه ويسره، ليس رحمة لكل الناس، ولا هداية لهم، فهو ليس البضاعة البائرة، بل الغالي النفيس، الذي لا يفيد غير الصادق الذي يقبل على القرآن بقلب شغوف لمعرفة ما فيه، يشعر بأنه طوق نجاته، ونوره الذي يبصر به، أما المعاند أو المكابر أو الشاك فالقرآن يخبئ له ما لا يسره ولا ينفعه، والعياذ بالله، ودليل ذلك أن القرآن قسم الناس إلى أربعة أصناف حسب تعاملهم معه كما سنرى إن شاء الله فيما يلي:

القسم الأول: 

قسم يهتدي بالقرآن، ويتعظ به، ويستبشر به، ويزيده إيمانا، ... وهم المؤمنون كما أخبر الله عنهم حيث قال: 

ألم (١) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢)

وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ، هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (٨٩) 

القسم الثاني: 

قسم يزيده القرآن رجسا، وهم من في قلوبهم مرض والعياذ بالله كما أخبر الله عنهم في قوله:

وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً؟ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ، وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ

القسم الثالث: 

لا يفهم القرآن، وقد يفهم شوارد اللغة، لكنه مع القرآن كأنه أصم وعلى قلبه غلاف، نجد هذا القسم في قول الله: 

وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (٤٦)

القسم الرابع: 

على النقيض من القسم الأول، يزيدهم القرآن طغيانا وكفرا أخبر الله عنهم في قوله 

وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراًمِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ

هكذا يتبين لك أخي الحبيب سهولة شروط تدبر القرآن على المؤمنين، وعظم فائدته، فبادر لتنعم بالنور المبين .

أرجو أن أكون وفقت في إيصال هدف المقال، وهو أن أجعلك تتذوق التدبر وتمارسه إن لم تكن تتدبره من قبل، وإن كنت فمن باب ذكر، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


author-img
داعية يحاول تقفي أثر الأنبياء في الدعوة

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. جزاكم الله خيرا، مثال جيد على التدبر، بهذه الطريقة سوف نستفيد من القرآن أكثر

    ردحذف

إرسال تعليق

فهرست المقال