القائمة الرئيسية

الصفحات

قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين

قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين

الحمد لله ولا نعبد إلا إياه والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

استكمالا لمقالنا عن فقه الدعوة نتدارس سريعا قوله سبحانه 

﴿قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين﴾ 

لنقف مع أهم سمات دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي كونها على بصيرة، بما في الكلمة من معنى، فهو صلى الله عليه وسلم ينطلق في دعوته على بصيرة من حال المدعو، ومن الظروف التي يعيشها فيها كل من الداعية والمدعو، فنجده صلى الله عليه وسلم حين يدعو الكفار، لا يتجاوز مسألة الشهادتين حتى يقر بهما المدعو، وهذا تجلى في أمره لمعاذ حين بعثه إلى اليمن قائلا: 

ﺇﻧﻚ ﺗﺄﺗﻲ ﻗﻮﻣﺎ ﺃﻫﻞ ﻛﺘﺎﺏ، ﻓﺎﺩﻋﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ، ﻭﺃﻧﻲ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﻓﺈﻥ ﻫﻢ ﺃﻃﺎﻋﻮﻙ ﻟﺬﻟﻚ، …
الحديث ورواته تجده هنا 

فلا حديث عن الصلاة والزكاة وشعائر الإسلام قبل الشهادتين وما يترتب عليهما من عبادة الله وحده وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت على بصيرة من حال فهو في الحديث السابق يبين لمعاذ من هم القوم الذين أرسل إليهم، فالداعية لا بد إذا أن يكون على بصيرة ممن يدعو.

رسول الله صلى الله عليه وسلم خلال دعوته كان دوما على بصيرة من الظروف التي يعيش فيها، يتصرف وفق أمر الله عز وجل ووفق سننه التي لا تتغير ولا تتبدل، فحين كانت الأرض كافرة يوم بدأ الدعوة، كانت دعوته فردية، يدعو الناس فردا، فردا، يربي إيمان الفرد المسلم حتى يستقر الإيمان في قلبه، مسالما لا يرد على السيئة إلا بالتي هي أحسن، مركزا على قضية واحدة لا يناقش سواها خلال كل الفترة المكية، يخاطب العقل بالحجة الدامغة ويتجنب الصدام المسلح، كل ذلك فعله رسول الله عليه وسلم عن بصيرة بالظروف التي تحيط، وليس عن ضعف كما يتصور البعض، فقد كان بإمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن سيد مكة أن يغتال أئمة الكفر الذين يصدون عن سبيل الله، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل لأنه قدوة كل الدعاة بعده، وليس كل الدعاة بقادر على أن يغتال خصومه 

ثانيا لو فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لاشتعلت مكة حربا أهلية وتغلبت فيها مسألة الحمية على قضية الإيمان الأساسية التي هي دعوته صلى الله عليه وسلم، لذلك ولعوامل أخرى ظلت الدعوة سلمية لا يرد فيها المسلمون الأذى على من آذاهم، وفي ذلك بلاء شديد للمسلمين الجدد الذين يأبون الضيم والظلم، ولكنهم مع ذلك يكفون أيديهم كما أمروا. 

إن كون رسول الله صلى الله عليه وسلم على بصيرة من محيطه الذي يدعو فيه وصعوبة أن يثمر منطقيا، فالعرب يومها عبيد العبيد، وبالرغم من ذلك لم يسلموا، بالرغم إدراك رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك إلا أن ذلك لم يفت في عضده، ولم يجعل خيبة الأمل تسري في دمه، فهو إلى جانب ذلك يعلم أنما عليه ما حمل وحسب، وليس مكلفا بهداية البشر، وهكذا المؤمن الداعية الصابر لا يفت من عضده أن مهمته هي المهمة المستحيلة، فهو إذا جهر بدعوته كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرمى في السجن، ويبقى نسيا منسيا، ذلك يجب أن لا يؤثر عليه فالأمر لله من قبل ومن بعد وليس عليه إلا اتباع سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة على بصيرة، وليس مكلفا بالنتائج.

إذا نظرنا إلى القرآن الكريم وحال الدعاة من الأنبياء والمؤمنين، نجد أن الدعوة في الغالب لا يستجيب لها إلا النزر القليل، كما أن الغالب في الدعاة أن يقتلون كما هي الحال في كثير من أنبياء بني إسرائيل، وكما هي الحال لمؤمن أصحاب القرية ولغلام أصحاب الأخدود، فالسائر في درب الأنبياء يعلم مسبقا أنه سائر في درب قليل سالكه، وعر طريقه وقليل ثمره في الدنيا، لذلك مسألة من يستجيب يجب أن لا تشغل الداعية أو تكون له عائقا. 

دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الكفار ركزت على موضوع واحد لا تتغير عنه ولا تتبدل بالرغم من إعراض المشركين عنه، وبالرغم من وجود مواضيع أخرى قد تكون تلقى قبولا فتوجه دعوة التوحيد من خلالها، وبالرغم من نفور الناس من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالرغم من سخريتهم وإيذائهم له، بالرغم من ذلك كله ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذات الدعوة لا يتغير ولا يتبدل، فهو لم يكن داعية بحسب ما يطلبه الجمهور، فيتبدل أو يغير الخطاب بناء على رغبة الجمهور، ولقد حاول الكفار معه مرارا حيث أخبرنا ربنا عنهم في قوله 

﴿ودوا لو تدهن فيدهنون﴾

لذلك الداعية الحق عليه التركيز على مسألة التوحيد أولا لا يتعداها مهما راوده الجمهور على تغييرها.

 تلك نقاط أردت تذكيرها لمن باع نفسه لله وقرر متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

author-img
داعية يحاول تقفي أثر الأنبياء في الدعوة

تعليقات

فهرست المقال