القائمة الرئيسية

الصفحات


لقد تمت مراجعة هذا المقال في المدونة الجديدة وعنونته ب:


الإمامة في الإسلام


النسخة القديمة

لقد درج الناس قديما وحديثا على إطلاق كلمة إمام على كل من يقتدون به، فبمجرد أن يرتضوا أحدا يطلقون عليه لقب الإمام، فهل هذا الفعل - أي إطلاق كلمة إمام على من نرتضي - أمر مباح شرعا؟ وما معنى كلمة إمام؟ وماذا يترتب عليها؟ 

إن كلمة الإمام تعني المتبوع الذي يتبع، سواء كان ذلك بجعله قدوة يقتدى به، أو لكونه سلطانا يفرض على رعيته طاعة أمره، ومثال الأول إمام الصلاة  الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما جعل الإمام ليؤتم به، فالمأموم يقتدي بإمامه في الصلاة، يتبعه في كل حركاته، ومثال الثاني أمير جماعة ما فهو إمامهم لطاعتهم أوامره.

إذا اتخاذ إمام في الدين يعني جعله قدوة ومتبوعا في أمور الدين كلها، مثل ما يقوم به أتباع المذاهب مع أئمتهم، حيث أنك تجد في كتب كل مذهب أن إمام المذهب هو المتبوع وهو الذي يشار إليه بضمير الغائب حين يتحدثون عن حكم شرعي، كأن يقولوا : كان يحب ذلك، أو كان يكره ذلك، أو يفتي به، يقصدون كان إمام المذهب يحب ذلك، أو يكرهه، أو يفتي به.

فهل أذن الله في ذلك ؟ 

إن المسلم الذي أسلم نفسه لله عز وجل كما رأينا سابقا، ينقاد لأمر الله عز وجل وحده، لذلك لا يعين له الإمام الذي يأتم به غير رب العالمين، فهو سبحانه من يحدد للمسلم المتبوع الذي عليه أن يتبعه ليفلح في دنياه وآخرته، وقد بين ربنا عز وجل أن الإمام الذي يرضاه لعباده إنما هو رسوله صلى الله عليه وسلم فقال جل من قائل: 

﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم﴾﴿قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين﴾

وقال سبحانه عن أئمة الأمم التي قبلنا : 

﴿وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين﴾

الآية تتحدث عن الأنبياء، أي أن الله عز وجل جعل الأنبياء أئمة للأمم التي قبلنا، والمتأمل في كتاب الله عز وجل، لا يجد أن الله رضي لعباده أئمة سوى رسله عليهم الصلاة والسلام، وهذا هو المعقول فحاشا لله أن يأمر عباده بالإتمام بغير من عصمه الله، لأن الإتمام بالخطاء مضيعة للدين، لأن الناس ستتبعه في خطأه.

إن الركن الأول من أركان الإسلام يقوم على توحيد الإله، وتوحيد المصدر عن الآله، فلا إله إلا الله، ولا رسول من عند الله إلينا غير محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فهو وحده صلى الله عليه وسلم المبلغ عن الله، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر بوضوح في قوله:

من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد

الحديث وتخريجه هنا.

فأي عمل لم يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مردود، فهو صلى الله عليه وسلم الإمام الوحيد لهذه الأمة من أطاعه فقد أطاع الله كما أخبر الله عز وجل في قوله:

﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا﴾

أما من سواه، فلم يعينه الله إماما ولا جعل طاعته طاعة لله عز وجل.

الأئمة إمامان 

يوم القيامة، والكرب أشد ما يكون يتمايز الناس كل بحسب إمامه في الدنيا، فينادى بإمامه، كما أخبرنا ربنا في قوله؛

﴿يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا﴾.

وهنا ينقسم الناس إلى نوعين من الأئمة، رسل الله صلى الله عليهم وسلم، وغير رسل الله، فمن كان إمامه غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، الويل له والخزي، ففي الوقت الذي يكون أحوج ما يكون للمساعدة في ذلك الكرب العظيم، يتبرأ منه إمامه متخليا عنه تاركا إياه يواجه عذاب الله بلا ولي ولا نصير كما أخبر الله عنهم في قوله:

﴿إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب﴾﴿وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار﴾.

فيكون العذاب مضاعفا، عذاب الله الشديد، والندم، حيث أن كل ما عملوا في الدنيا كان سببا في العذاب.

ينقل الله عز وجل لنا مواقف لهؤلاء المتبعين لغير رسول الله تنبؤ عن مدى الندم والحسرة على اتباع غير رسول الله، فالواحد منهم يعض يديه ويتويل كما أخبر الله عنهم في قوله:

﴿ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا﴾﴿يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا﴾﴿لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا﴾

وآخرون يحاولون مع من كانوا يتبعونهم لعلهم يتحملون عنهم جزءا من العذاب، حيث يخبر الله عنهم في قوله

 ﴿وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص﴾

في الوقت الذي يتعذب من ائتم بغير رسل الله حسرة وندما، يسعد متبعي الرسل ويحمدون الله فقد أوصلهم اتباع الرسل إلى الجنة كما أخبر ربنا عز وجل في قوله:

﴿ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون﴾ 

شبهات وردود

يحاول كثير ممن في قلوبهم مرض الترخيص في اتخاذ أئمة غير رسل الله صلى الله عليهم وسلم ظلما وعدوانا وطعنا خفيا في رسل الله عليهم الصلاة والسلام، بحجة أن أئمتهم هم من بين لهم الدين وفسره لهم، وكأن رسل الله عز وجل تركوا الدين غامضا مشكلا يحتاج إلى إيضاح، وهذا هو الطعن في رسل الله الذين كلفهم الله بالبلاغ المبين، فلا معنى أن نحتاج إلى توضيح بعدهم كما يزعم هؤلاء إلا إذا كان الرسل لم يوضحوا الدين، ومعاذ الله فقد بين لنا رسول الله صلى عليه وسلم كل شيء أبلغ بيان وأيسره بحيث يفهمه الأعرابي والجارية والجاهل، ألفاظ يسيرة بعيدة عن التعقيدات التي يمارس هؤلاء.

إن الذين في قلوبهم مرض يحاولون الإتيان بشبه ليقنعوا بها أنفسهم بالتخلي عن إمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي شبه كلها واهية نذكر فيما يلي أكثرها ترديدا على ألسنتهم، بحسب ما بلغنا عنهم.

أئمتنا يتبعون رسول الله 

يقولون دوما أنهم يتبعون أئمتهم لكونهم عباد صالحون يأتمون برسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك يأتمون بهم، فلهم نقول هل حرم الله عليكم الإئتمام برسوله مباشرة ؟! 

ولن تجد إلا الطعن المبيت في رسول الله، فهم غالبا ما سيجيبون بقولهم إن أئمتهم هم من بين لهم الدين ويسره، وكأن رسول الله تركه غامضا، حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

واجعلنا للمتقين إماما

 يحتجون بهذه الآية على أن غير الأنبياء يمكن أن يكون إماما، وليس لهم في الآية حجة، لكونها دعاء من عباد الله يراد به أن يبلغوا أقصى درجات التقوى، فليس في الآية أن الله جعل غير الأنبياء أئمة.

إتباع الصحابة

يحاول هؤلاء فتح باب الإمامة في الدين من خلال جعل الصحابة رضوان الله عليهم أئمة، وليس ذلك حبا منهم في الصحابة رضوان الله عليهم بدليل أنهم لا يأتمون بهم أصلا، وإنما ليبرروا إمامة أئمتهم الذين نصبوهم بغير إذن من رب العالمين ويستخدمون لذلك آيات وأحاديث سنذكر منها :

1- قوله سبحانه:

﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم﴾

فيقولون إن في قوله "والذين اتبعوهم" دليل على جواز اتباع المهاجرين والأنصار استقلالا، وهذا يأبى الله عنه فالله سبحانه وتعالى لم يقل والذين اتبعوهم دون شرط، بل شرطها بقوله" بإحسان" كما شرط اتباع الآباء بالإيمان في قوله :

﴿والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين﴾

أي أن الاتباع المأذون فيه هنا هو اتباع ينافي التقليد، وهذا لا يكون إلا باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون وعد آية التوبة لمن اتبع المهاجرين والأنصار في اتباعهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

2- حديث العرباض وهو ضعيف كما بينا هنا.

3- حديث مثل أصحابي مثل النجوم وهو حديث ضعيف كما بينا هنا.

تلك هي أهم شبه الراغبين عن إمامة رسول الله صلى عليه وسلم، رددنا عليها، لتعلم أنه لا فلاح لك ولا نجاة في غير أن تأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم حصرا فتدعى به يوما قال ربنا عنه : 

﴿يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا﴾ 


author-img
داعية يحاول تقفي أثر الأنبياء في الدعوة

تعليقات

فهرست المقال