القائمة الرئيسية

الصفحات


الحمد لله رب العالمين الإله المعبود المطاع، وصلى الله على رسوله الكريم، المبلغ الأمين، الذي بعث بجوامع الكلم، وبلّغ الدين، وبينه أتم البيان، وما توفي إلا وقد أدى ونصح وبلّغ الرسالة، فالحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه .. وبعد :

قال الله جلا وعلا : { ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }

وقال : { قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } 

تكلم الله عز وجل في هذه الأيـآت عن أمر إلهي عظيم ، فهل أنت تعي هذا الأمر ؟! 

إنها الدعوة إلى الله سبحانه، عبادة خالصة لله وحده، واجبة على كل مسلم، أن يدعوا على بصيرة وعلى منهج رسول الله، فهل أديت هذه العبادة ؟ 

إن مجتمعاتنا اليوم هي في أشد ماتحتاج إلى الدعوة والنصح إلى الله، وهذا لا يخفى على أي عاقل، فقد استباحت الحرام، وحرم الحلال، وأخذ الناس بعضهم بعضا أربابا من دون الله يشرعون لهم في الدين ما لم يأذن به الله، وقد تفشى الشرك بالله، وأصبح الناس يصبحون ويمسون عليه ولا حرج عندهم في ذلك..

لذلك أقول إن لم تكن الدعوة والصدع بالحق الآن فمتى تكون؟ 

قال الله تعالى { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان‏"‏ ‏(رواه مسلم‏)‏.‏

وفي رواية: وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.

هذا رسول الله يأمرنا بأن من رأى منكرا فليغيره ..فما بالكم في أكبر الكبائر التي عمت حاضرنا (الشرك بالله)؟ 

إن الدعوة إلى الله واجب شرعي أمر الله به وعلينا الإمتثال لأمر الله سمعا وطاعة ..

عرفنا أن الدعوة أمر شرعي ..عبادة توقيفية، نأتي الآن لنعرف إلى ماذا ندعوا؟ وكيف تكون الدعوة؟ وإلى من نوجه الدعوة ابتداء؟ 

بداية يجب أن نعرف { ألَا لِلّه الدِّينُ الخَالِص } إن دين الله هو القرآن والسنة حصرا، فإن عرفنا هذا فلن ندعوا لغير الله، لن ندعوا من أجل نصرة جماعة ولا لرأي ولا اتباع غير الله ورسوله ولا شيء دونهما ..

تتبع شرع الله ومنهجه القويم ولا تحيد عنه ولا تزيغ، وتطيعه وحده في ما أمر وفي ما نهى وماشرع لنا من الدين الحنيف وتدعوا إليه ..

تدعوا لله مخلصا له الدين وتكون ملتزما بأوامر الله ونواهيه،ومعنى أن تكون الدعوة خالصة لله أي لا ترجوا إلا مراد الله وهو طاعته في الدعوة إليه والإعذار إليه، كما أخبر ربنا في قوله:

{ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }

 لا ترجو أي منفعة دنيوية من مال، أو جاه، أو استعلاء وشهرة، لأن العمل الغير خالص لله مردود على صاحبه ، ثم تدعوا لعبادته وحده ونبذ الشرك بجميع أنواعه قال الله تعالى:

 { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْـلِـمَ لِـرَبِّ الْعَالَمِينَ }

والإسلام لرب العالمين لا يكون إلا بالبراءة مِن كلِّ شِرْك في العبادة والدعاء والاتباع... ومن المشركين، وإخلاص ذلك له وحده، كما جاء في الآية 

وليتضح ذلك فلنستمِع إلى هذا الحوار الجاد المُقنع؛ لأنه من الله الحق المبين، ولله الحجة البالغة، ولنتدبره بفهم ووعي، يقول الله تعالى في سورة الأنعام: 

{ قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِـنُـسْـلِـمَ لِـرَبِّ الْعَـالَمِينَ }

اذا الدعوة إلى الإسلام وترك الشرك وعبادة والاوثان والرهبان  هذا ماتدعوا إليه، و تكون على بصيرة من أمرك وإلى ما تدعوا وتملك الحجة والبرهان من الوحيين حصرا كما بلغ رسول الله ودعى قومه قال الله تعالى: 

{قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيـرَةٍ أَنَا وَمَـنِ اتَّــبَـعَـنِـي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } والحمد لله رب العالمين.

إن أهم جانب في الدعوة هو أن تدعوا كبراء القوم لأن القوم تبع لهم فإن آمن الكبراء آمنوا (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود ) رواه البخاري3941 

وهذا خالد ابن الوليد حينما سألوه الصحابة بعد أن أسلم متأخرا ..فقال رضي الله عنه: " كان أمامنا رجال كنا نرى أحلامهم -أي عقولهم- كالجبال . "

فثمرة الدعوة تكمن في دعوة رؤوس القوم الذين يتبعونهم الناس، وبتوجيهها إلى رؤوس القوم نكون وجهناها إلى القوم كلهم ويظهر هذا جليا في منهج الأنبياء، انظر كيف دعا إبراهيم عليه السلام أباه وقومه والملك
 { واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إبْرَاهِيمَ إذْ قَالَ لأَبِيهِ وقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ }

وعندما دعا النمرود، قال الله تعالى:

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ …}

وهذا موسى عليه السلام دعا أكبر كبرائهم، قال الله تعالى: 

{ وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ }

هكذا تكون الدعوة الى الإسلام بالصدع بالحق ولله الحجة البالغة ولا يخشى في الله لومة لائم 

إن الداعية ناصح يخاف على المدعو، فالدعوة تنطلق من مفهوم النصح وليس من مفهوم الندية والخصومة .. قال الله تعالى: 

{ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ..}

إن الله أمرنا بعبادته والدعوة إلى عبادته، وبين لنا طريقة وكيفية الدعوة، وهي تحتاج الصبر، وتكون بالموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، لأن سيء الأخلاق ينفر الناس من الحق فيكون الداعية بذلك يصد عن سبيل الله، ولنا في رسول الله أسوة حسنة في تبليغ الرسالة، الذي زكاه الله في كتابه وقال

 { وإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظَيم } 

ولكن هنا يجب التفريق بين قول الحق باللين وبين المداهنة
فالمخاطب من الضروري جدا أن يعرف حقيقته وعرض أفعاله على الشرع وبها تتضح حقيقته أما ان يخادع الداعية مخاطبه ويداهنه بحجة اللين في الخطاب، فهذه ليست من سمة الدعوة في شيء، بل هي تزكية الباطل وعدم المصارحة، وليتضح لنا الخطاب اللين ومن الخطاب المداهن، نتدبر خطاب موسى لفرعون الذي أمره الله به قائلا: 

{ فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ۖ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ ۖ وَالسَّلَامُ عَلَىٰ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَىٰ إنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ }

نجد هذا الخطاب بعيد كل البعد من المداهنة لفرعون، وبعيد أيضا من تنفيره، وقد حوى عدة أمور

أولها الكفر بفرعون وتكفيره وقومه وذلك في قوله " إنا رسولا ربك" وهذا ما سيعترض عليه فرعون قائلا "ومن ربكما يا موسى"

ثانيا الدعوة على بصيرة وهذا في قوله "قد جيئناك بآية من ربك"

ثالثا الترغيب في الهداية وهذا في قوله "والسلام على من اتبع الهدى"

رابعا الترهيب وهذا في قوله تعالى: { إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ }

فخطاب الدعوة إذا خطاب لين يقوم على النصح والخوف على المدعو وترغيبه في الهداية، وذلك في مصارحة تامة فلا يخفى عن الكافر حقيقة كفره كما يفعل بعض المنتسبين للدعوة حديثا.

إن أسلوب موسى صلى الله عليه وسلم هو نفس الأسلوب الذي اتبعه رسولنا الحبيب، فقد بين لنا الله خطابه إلى قومه في قوله: 

{ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۚ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ }{ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ۖ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ }  

فرسول الله بين لقومه كفرهم حين دعاهم إلى التوحيد، ورغبهم فيه بالمتاع الحسن، وأنذرهم بقوله " إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم "

تلكم بعض خصائص الخطاب الدعوي، ولا شك بقي الكثير ليقال ولكن حسبنا أننا طرقنا الباب، ويسعدنا نقاشه معكم، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. أود أن أضيف بعض الصفات المهم جدا توفرها في الداعية وهي
    أولا التوكل على الله عز وجل توكلا يورث شجاعة منقطعة النظير، نجد هذا في خطاب نوح صلى الله عليه وسلم لقومه الذي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يتلوه علينا قائلا:
    ﴿واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون﴾
    ثانيا عمل الداعية بما يدعو إليه، فلا تكون دعوته مجرد كلام نظري بعيد عن الواقع، بل عليه أن يكون أول من يطبق ما يدعو إليه نجد ذلك في قوله سبحانه مخبرا عن شعيب صلى الله عليه وسلم:
    ﴿قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب﴾

    ردحذف

إرسال تعليق

فهرست المقال