القائمة الرئيسية

الصفحات

قصة أصحاب الأخدود: طريق الفوز الكبير

طريق الفوز الكبير

الحمد لله ولا نعبد إلا إياه، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد

يقول ربنا عز وجل:

﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير﴾

فعل تريد الفوز الكبير ؟! 

وهل أنت مستعد لضريبة هذا الفوز الكبير ؟! 

قبل أن تجيب إليك كيف حصل هؤلاء على الفوز الكبير لتفعل فعلهم، فتفوز فوزهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 

«ﻛﺎﻥ ﻣﻠﻚ ﻓﻴﻤﻦ ﻛﺎﻥ ﻗﺒﻠﻜﻢ، ﻭﻛﺎﻥ ﻟﻪ ﺳﺎﺣﺮ، ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺒﺮ، ﻗﺎﻝ ﻟﻠﻤﻠﻚ: ﺇﻧﻲ ﻗﺪ ﻛﺒﺮﺕ، ﻓﺎﺑﻌﺚ ﺇﻟﻲ ﻏﻼﻣﺎ ﺃﻋﻠﻤﻪ اﻟﺴﺤﺮ، ﻓﺒﻌﺚ ﺇﻟﻴﻪ ﻏﻼﻣﺎ ﻳﻌﻠﻤﻪ، ﻓﻜﺎﻥ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﺇﺫا ﺳﻠﻚ ﺭاﻫﺐ، ﻓﻘﻌﺪ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺳﻤﻊ ﻛﻼﻣﻪ، ﻓﺄﻋﺠﺒﻪ، ﻓﻜﺎﻥ ﺇﺫا ﺃﺗﻰ اﻟﺴﺎﺣﺮ ﻣﺮ ﺑﺎﻟﺮاﻫﺐ ﻭﻗﻌﺪ ﺇﻟﻴﻪ، ﻓﺈﺫا ﺃﺗﻰ اﻟﺴﺎﺣﺮ ﺿﺮﺑﻪ، ﻓﺸﻜﺎ ﺫﻟﻚ ﺇﻟﻰ اﻟﺮاﻫﺐ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﺫا ﺧﺸﻴﺖ اﻟﺴﺎﺣﺮ، ﻓﻘﻞ: ﺣﺒﺴﻨﻲ ﺃﻫﻠﻲ، ﻭﺇﺫا ﺧﺸﻴﺖ ﺃﻫﻠﻚ، ﻓﻘﻞ: ﺣﺒﺴﻨﻲ اﻟﺴﺎﺣﺮ، ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﻛﺬﻟﻚ ﺇﺫ ﺃﺗﻰ ﻋﻠﻰ ﺩاﺑﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ، ﻗﺪ ﺣﺒﺴﺖ اﻟﻨﺎﺱ، ﻓﻘﺎﻝ: اﻟﻴﻮﻡ ﺃﻋﻠﻢ ﺁﻟﺴﺎﺣﺮ ﺃﻓﻀﻞ ﺃﻡ اﻟﺮاﻫﺐ ﺃﻓﻀﻞ؟ ﻓﺄﺧﺬ ﺣﺠﺮا، ﻓﻘﺎﻝ: اﻟﻠﻬﻢ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺃﻣﺮ اﻟﺮاﻫﺐ ﺃﺣﺐ ﺇﻟﻴﻚ ﻣﻦ ﺃﻣﺮ اﻟﺴﺎﺣﺮ، ﻓﺎﻗﺘﻞ ﻫﺬﻩ اﻟﺪاﺑﺔ، ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻀﻲ اﻟﻨﺎﺱ، ﻓﺮﻣﺎﻫﺎ ﻓﻘﺘﻠﻬﺎ، ﻭﻣﻀﻰ اﻟﻨﺎﺱ، ﻓﺄﺗﻰ اﻟﺮاﻫﺐ ﻓﺄﺧﺒﺮﻩ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ اﻟﺮاﻫﺐ: ﺃﻱ ﺑﻨﻲ: ﺃﻧﺖ اﻟﻴﻮﻡ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻨﻲ، ﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﻣﻦ ﺃﻣﺮﻙ ﻣﺎ ﺃﺭﻯ، ﻭﺇﻧﻚ ﺳﺘﺒﺘﻠﻰ، ﻓﺈﻥ اﺑﺘﻠﻴﺖ ﻓﻼ ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻲ، ﻭﻛﺎﻥ اﻟﻐﻼﻡ ﻳﺒﺮﺉ اﻷﻛﻤﻪ ﻭاﻷﺑﺮﺹ، ﻭﻳﺪاﻭﻱ اﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ اﻷﺩﻭاء، ﻓﺴﻤﻊ ﺟﻠﻴﺲ ﻟﻠﻤﻠﻚ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﻋﻤﻲ، ﻓﺄﺗﺎﻩ ﺑﻬﺪاﻳﺎ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻣﺎ ﻫﺎﻫﻨﺎ ﻟﻚ ﺃﺟﻤﻊ، ﺇﻥ ﺃﻧﺖ ﺷﻔﻴﺘﻨﻲ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻧﻲ ﻻ ﺃﺷﻔﻲ ﺃﺣﺪا، ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺸﻔﻲ اﻟﻠﻪ، ﻓﺈﻥ ﺃﻧﺖ ﺁﻣﻨﺖ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺩﻋﻮﺕ اﻟﻠﻪ ﻓﺸﻔﺎﻙ، ﻓﺂﻣﻦ ﺑﺎﻟﻠﻪ، ﻓﺸﻔﺎﻩ اﻟﻠﻪ، ﻓﺄﺗﻰ اﻟﻤﻠﻚ، ﻓﺠﻠﺲ ﺇﻟﻴﻪ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺠﻠﺲ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ اﻟﻤﻠﻚ: ﻣﻦ ﺭﺩ ﻋﻠﻴﻚ ﺑﺼﺮﻙ؟ ﻗﺎﻝ: ﺭﺑﻲ، ﻗﺎﻝ: ﻭﻟﻚ ﺭﺏ ﻏﻴﺮﻱ؟ ﻗﺎﻝ: ﺭﺑﻲ ﻭﺭﺑﻚ اﻟﻠﻪ، ﻓﺄﺧﺬﻩ ﻓﻠﻢ ﻳﺰﻝ ﻳﻌﺬﺑﻪ، ﺣﺘﻰ ﺩﻝ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﻼﻡ، ﻓﺠﻲء ﺑﺎﻟﻐﻼﻡ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ اﻟﻤﻠﻚ: ﺃﻱ ﺑﻨﻲ، ﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﻣﻦ ﺳﺤﺮﻙ ﻣﺎ ﺗﺒﺮﺉ اﻷﻛﻤﻪ ﻭاﻷﺑﺮﺹ، ﻭﺗﻔﻌﻞ ﻭﺗﻔﻌﻞ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻧﻲ ﻻ ﺃﺷﻔﻲ ﺃﺣﺪا، ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺸﻔﻲ اﻟﻠﻪ، ﻓﺄﺧﺬﻩ ﻓﻠﻢ ﻳﺰﻝ ﻳﻌﺬﺑﻪ ﺣﺘﻰ ﺩﻝ ﻋﻠﻰ اﻟﺮاﻫﺐ، ﻓﺠﻲء ﺑﺎﻟﺮاﻫﺐ، ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ: اﺭﺟﻊ ﻋﻦ ﺩﻳﻨﻚ، ﻓﺄﺑﻰ، ﻓﺪﻋﺎ ﺑﺎﻟﻤﺌﺸﺎﺭ، ﻓﻮﺿﻊ اﻟﻤﺌﺸﺎﺭ ﻓﻲ ﻣﻔﺮﻕ ﺭﺃﺳﻪ، ﻓﺸﻘﻪ ﺣﺘﻰ ﻭﻗﻊ ﺷﻘﺎﻩ، ﺛﻢ ﺟﻲء ﺑﺠﻠﻴﺲ اﻟﻤﻠﻚ، ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ: اﺭﺟﻊ ﻋﻦ ﺩﻳﻨﻚ، ﻓﺄﺑﻰ، ﻓﻮﺿﻊ اﻟﻤﺌﺸﺎﺭ ﻓﻲ ﻣﻔﺮﻕ ﺭﺃﺳﻪ، ﻓﺸﻘﻪ ﺑﻪ ﺣﺘﻰ ﻭﻗﻊ ﺷﻘﺎﻩ، ﺛﻢ ﺟﻲء ﺑﺎﻟﻐﻼﻡ، ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ: اﺭﺟﻊ ﻋﻦ ﺩﻳﻨﻚ، ﻓﺄﺑﻰ، ﻓﺪﻓﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺮ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: اﺫﻫﺒﻮا ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺟﺒﻞ ﻛﺬا ﻭﻛﺬا، ﻓﺎﺻﻌﺪﻭا ﺑﻪ اﻟﺠﺒﻞ، ﻓﺈﺫا ﺑﻠﻐﺘﻢ ﺫﺭﻭﺗﻪ، ﻓﺈﻥ ﺭﺟﻊ ﻋﻦ ﺩﻳﻨﻪ، ﻭﺇﻻ ﻓﺎﻃﺮﺣﻮﻩ، ﻓﺬﻫﺒﻮا ﺑﻪ ﻓﺼﻌﺪﻭا ﺑﻪ اﻟﺠﺒﻞ، ﻓﻘﺎﻝ: اﻟﻠﻬﻢ اﻛﻔﻨﻴﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﺷﺌﺖ، ﻓﺮﺟﻒ ﺑﻬﻢ اﻟﺠﺒﻞ، ﻓﺴﻘﻄﻮا، ﻭﺟﺎء ﻳﻤﺸﻲ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﻠﻚ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ اﻟﻤﻠﻚ: ﻣﺎ ﻓﻌﻞ ﺃﺻﺤﺎﺑﻚ؟ ﻗﺎﻝ: ﻛﻔﺎﻧﻴﻬﻢ اﻟﻠﻪ، ﻓﺪﻓﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺮ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: اﺫﻫﺒﻮا ﺑﻪ ﻓﺎﺣﻤﻠﻮﻩ ﻓﻲ ﻗﺮﻗﻮﺭ، ﻓﺘﻮﺳﻄﻮا ﺑﻪ اﻟﺒﺤﺮ، ﻓﺈﻥ ﺭﺟﻊ ﻋﻦ ﺩﻳﻨﻪ ﻭﺇﻻ ﻓﺎﻗﺬﻓﻮﻩ، ﻓﺬﻫﺒﻮا ﺑﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: اﻟﻠﻬﻢ اﻛﻔﻨﻴﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﺷﺌﺖ، ﻓﺎﻧﻜﻔﺄﺕ ﺑﻬﻢ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ، ﻓﻐﺮﻗﻮا، ﻭﺟﺎء ﻳﻤﺸﻲ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﻠﻚ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ اﻟﻤﻠﻚ: ﻣﺎ ﻓﻌﻞ ﺃﺻﺤﺎﺑﻚ؟ ﻗﺎﻝ: ﻛﻔﺎﻧﻴﻬﻢ اﻟﻠﻪ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻠﻤﻠﻚ: ﺇﻧﻚ ﻟﺴﺖ ﺑﻘﺎﺗﻠﻲ ﺣﺘﻰ ﺗﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﺁﻣﺮﻙ ﺑﻪ، ﻗﺎﻝ: ﻭﻣﺎ ﻫﻮ؟ ﻗﺎﻝ: ﺗﺠﻤﻊ اﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﺻﻌﻴﺪ ﻭاﺣﺪ، ﻭﺗﺼﻠﺒﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺟﺬﻉ، ﺛﻢ ﺧﺬ ﺳﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻛﻨﺎﻧﺘﻲ، ﺛﻢ ﺿﻊ اﻟﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﻛﺒﺪ اﻟﻘﻮﺱ، ﺛﻢ ﻗﻞ: ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻠﻪ، ﺭﺏ اﻟﻐﻼﻡ، ﺛﻢ اﺭﻣﻨﻲ، ﻓﺈﻧﻚ ﺇﺫا ﻓﻌﻠﺖ ﺫﻟﻚ ﻗﺘﻠﺘﻨﻲ، ﻓﺠﻤﻊ اﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﺻﻌﻴﺪ ﻭاﺣﺪ، ﻭﺻﻠﺒﻪ ﻋﻠﻰ ﺟﺬﻉ، ﺛﻢ ﺃﺧﺬ ﺳﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻛﻨﺎﻧﺘﻪ، ﺛﻢ ﻭﺿﻊ اﻟﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﻛﺒﺪ اﻟﻘﻮﺱ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻠﻪ، ﺭﺏ اﻟﻐﻼﻡ، ﺛﻢ ﺭﻣﺎﻩ ﻓﻮﻗﻊ اﻟﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺻﺪﻏﻪ، ﻓﻮﺿﻊ ﻳﺪﻩ ﻓﻲ ﺻﺪﻏﻪ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﺴﻬﻢ، ﻓﻤﺎﺕ، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻨﺎﺱ: ﺁﻣﻨﺎ ﺑﺮﺏ اﻟﻐﻼﻡ، ﺁﻣﻨﺎ ﺑﺮﺏ اﻟﻐﻼﻡ، ﺁﻣﻨﺎ ﺑﺮﺏ اﻟﻐﻼﻡ، ﻓﺄﺗﻲ اﻟﻤﻠﻚ، ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ: ﺃﺭﺃﻳﺖ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺗﺤﺬﺭ؟ ﻗﺪ ﻭاﻟﻠﻪ ﻧﺰﻝ ﺑﻚ ﺣﺬﺭﻙ، ﻗﺪ ﺁﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ، ﻓﺄﻣﺮ ﺑﺎﻷﺧﺪﻭﺩ ﻓﻲ ﺃﻓﻮاﻩ اﻟﺴﻜﻚ ﻓﺨﺪﺕ، ﻭﺃﺿﺮﻡ اﻟﻨﻴﺮاﻥ، ﻭﻗﺎﻝ: ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺮﺟﻊ ﻋﻦ ﺩﻳﻨﻪ ﻓﺄﺣﻤﻮﻩ ﻓﻴﻬﺎ، ﺃﻭ ﻗﻴﻞ ﻟﻪ: اﻗﺘﺤﻢ، ﻓﻔﻌﻠﻮا، ﺣﺘﻰ ﺟﺎءﺕ اﻣﺮﺃﺓ ﻭﻣﻌﻬﺎ ﺻﺒﻲ ﻟﻬﺎ، ﻓﺘﻘﺎﻋﺴﺖ ﺃﻥ ﺗﻘﻊ ﻓﻴﻬﺎ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﺎ اﻟﻐﻼﻡ: ﻳﺎ ﺃﻣﻪ، اﺻﺒﺮﻱ، ﻓﺈﻧﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻖ». 
للوقوف على رويات الحديث وطرقه إضغط هنا 

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقص هذه القصة لمجرد التسلي معاذ الله، وإنما ليبين لنا طريق الفوز الكبير وما يتطلب من تضحيات على المرء أن يقوم بها، لذلك هذه القصة وإن كانت حدثت من قبل، فظروفها التي حدثت فيها هي ظروف الناس في كل الأزمان، مما يعني أنه بإمكانك أن تلتحق بأصحاب الأخدود فتفوز الكبير وإليك بيان ذلك .

تتحدث القصة عن ملك وساحر وراهب وغلام، وهذه الشخصيات هي شخصيات متكررة في كل زمان ومكان، الملك والساحر يمثلان الكفر والتجبر، والراهب والغلام يمثلان الإيمان. 

قبل الخوض في إسقاط القصة على واقعنا، ينبغي أن ندرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية ولو لم تسميها الناس بها، فهو يسمي الذي يصور الحق باطلا، والباطل حقا، بالساحر الذي يصور الأشياء على غير حقيقتها، وقد يكون هذا الساحر تراه الناس عالما يتحدث باسم الدين، نجد ذلك في القصة جليا، فالساحر والراهب كلاهما يتحدث باسم دين الله، ويدعي أنه هو المهتدي، مما جعل الغلام غير قادر على التمييز بين الصادق منهما من الكاذب، ويحتاج إلى آية تعينه، فلما أرسل الدابة استغل الفرصة وقال: 

اﻟﻠﻬﻢ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺃﻣﺮ اﻟﺮاﻫﺐ ﺃﺣﺐ ﺇﻟﻴﻚ ﻣﻦ ﺃﻣﺮ اﻟﺴﺎﺣﺮ، ﻓﺎﻗﺘﻞ ﻫﺬﻩ اﻟﺪاﺑﺔ، ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻀﻲ اﻟﻨﺎﺱ.

فلو لم يكن الساحر يتكلم باسم الله، لما احتاج الغلام إلى هذه الآية ليميز من هو الذي على الحق.

إن الحق بين، والباطل بين، لا يشتبهان، لكن قدرة الساحر على زخرف القول صورت الباطل حقا، والحق باطلا، بادلة من زخرف القول ينخدع بها الناس، ولتدرك مدى قدرة على تصوير الباطل حقا، إنظر كيف غرسوا في الناس أن الإسلام أربعة مذاهب، وأن مصادر التشريع خمسة، مع علمهم أن الله لم يجعل الإسلام أربعة مذاهب، ولم يقل مصادر التشريع خمسة، ورغم كونهم يعلمون أن المذاهب محدثة بعد مئتي من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن بالرغم من ذلك نجح السحرة على مر الزمن في إقناع الناس بهذا الباطل حتى صار عندهم الحق الذي لا مراء فيه ولا جدال، منكره أتى بمنكر من القول وزورا.

في نفس الوقت يعلم الناس كلهم أن الله لم يبعث إلا إماما واحدا، ورسالة واحدة محصورة في القرآن والسنة، ومع ذلك صور السحرة أن من اكتفى برسول الله نبيا وإماما وبالإسلام كما أنزل دينا وبالوحي مصدرا وحيدا للتشريع، صور السحرة من اكتفى بهذا ضال مضل من الخوارج وهذا لا جدال فيه ولا مراء. 

إن سحرة زماننا استخدموا لقلب الحقائق مجموعة وسائل من أهمها صد الناس عن تدبر الوحي بحجة أنهم غير مخولين لفهمه، وقدرا كبيرا من زخرف القول، من مصالح، ومقاصد، وكليات، وأصول وفروع، ... ما أنزل الله بها من سلطان، ليس المقام مقام بيانها.

إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي الأشياء بحقيقتها، لا بما يطلقه عليها الناس، ومن ذلك أيضا اعتباره أن الملك معبود لقومه فتلك هي حقيقته، ولو لم يصرح بها لفظا، ولكنه عمليا صرح بها، لأن العبادة هي الطاعة المجردة كما رأينا سابقا، والناس إذا أطاعت من لم يأذن الله بطاعته تكون عبدته من دون الله بخضوعها له، ولو لم تسم ذلك عبادة.

إنك عندما تطيع أوامر الرئيس أو الدولة التي تطلق عليها قوانين دون إذن من الله تكون عابدا لها مشركا بالله ولو صمت وصليت وزعمت أنك مسلم، لأن الله عز وجل لم يأذن بطاعتها، ومن ثم لم تعد مسلما لله حين أطعتها.

الملك أو الرئيس أو الدولة لن يقبل أبدا من المواطنين عدم طاعة واحترم القوانين، لأن ذلك كفر به، وهذه هي مشكلة الطاغوت مع الإسلام، لأنه في الإسلام لا طاعة لغير الله عز وجل، وهذا يعني الكفر بالطاغوت.

تبدأ القصة بالملك والساحر، والعلاقة بين الملك والساحر علاقة وجودية، فالملك لا يمكنه تعبيد الناس صراحة دون أن يقنعهم السحرة بأن عبادة الملك هي في الحقيقة عبادة لله عز وجل بزعمهم، والخارج على الملك خارج على أمر الله عز وجل بزعمهم، لذلك لا بد للملك من سحرة ليستمر ملكه، في المقابل يحتاج الساحر إلى السلطة لينعم بزخرف الدنيا الذي باع من أجله دينه، وهذه العلاقة ظاهرة اليوم جلية في الأنظمة العلمانية التي تحكم هذه الشعوب التي يطلق عليها شعوب إسلامية، فلكل نظام سحرته الذين يؤكدون للناس أن طاغوتهم أمير للمؤمنين يحرم الخروج عليه، فهو في حد ذاته مقدس لا يكفر أبدا مهما ارتكب من مكفرات. 

تخبر القصة عن ساحر شاخ ويحتاج لمن يعلمه سحره، حتى يستمر الملك في الملك، وهذه أي التوارث من أهم مقومات السحر التي يخدع بها الناس، فالباطل كلما تقادم كلما أضفيت عليه شرعية التراث، فأنت تجد أحدهم يقر بأن رسول الله الله صلى الله عليه وسلم لم يتبع غير الوحي وأن هذه المصادر التي استحدثت بعده قد كمل الدين قبلها، كل هذا يقر به، ولكنه يحاجج بأن هذه المصادر متبعة منذ قرون ولا يمكن أن تكون باطلا لأن ذلك يعني أنه منذ قرون والناس تتوارث الشرك، وهذا لن يقبل به لأنه هدم لتراثه ليس إلا. 

يمكرون ويمكر الله وهو خير الماكرين، فيجعل في طريق الغلام راهبا، هذا الراهب قرر الفرار بدينه بدل مواجهة سلطان الطاغوت، فهو يعلم أنه يوم قرر أن يسلم لله وحده، لن يستطيع أن يخضع لغير الله، وبدل مواجهة الطاغوت وما ينجم عن ذلك من بلاء قرر الخروج من سلطانه إلى أرض الله الواسعة حيث لا سلطان للطاغوت، وحيث يبقى مسلما كما أمره ربه.

إن قرار العزلة والعيش في صومعة، ليس بالقرار السهل، فهو قرار بالموت حيا، حيث يترك المرء أمه وأباه، وأخاه وأخته وزوجه وولده والناس كلهم ويعيش منفردا منقطعا من كل البشر، ولا عجب في ذلك فطريق الجنة طريق وعر ليس طريق الورود. 

يتبين الحق للغلام بآية الدابة، وينطلق في الدعوة إلى الله مستخدما ما آتاه الله من استجابة الدعاء، وينتشر أمره، والعجيب أن الله يصرف الملك عن الغلام فلا يفطن لدعوته رغم انتشارها بين الناس، حتى أن جليسه الأعمى يعلم بأمر الغلام والملك لا يعلم، وهذه آية من آيات الله يبين بها ضعف الطواغيت واستخباراتهم وأنه ليس لهم من الأمر شيء، فهذا الغلام يدعو إلى الله جهرا ويشفى المرضى بإذن الله والملك عنه غافل إن في ذلك لآية عظيمة. 

يسلم الجليس، ويشيع الخبر، ويبدأ البلاء فيعذب الجليس حتى يدل على الغلام ولم يكن متخفيا، ويعذب الغلام حتى يدل على الراهب الذي كان متخفيا معتزلا، ويوضع المنشار على الرأس ويقترب الفوز الكبير، كل هذا يحدث والناس تراقب وتتأمل، فيقتل الراهب ويرتقي، بينما ينهزم الملك أمام إيمان الراهب، ويقتل الجليس ويرتقي، وينهزم الملك ثانية أمام إيمان الجليس.

إن الملك لن يقبل بهزيمة ثالثة، فسلطته تعرضت لهزيمتين متتاليتين، ولم يعظ قادرا على تحمل هزيمة ثالثة تقضي على سلطته نهائيا، ويتمرد الناس عليه، لذلك يلجأ إلى حيلة وهي تصفية الغلام سرا والادعاء بأنه تراجع عن دينه ولم يمت عليه، ولكن يمكرون ويمكر الله وهو خير الماكرين فمن كلفوا برميه في البحر كفاه الله شرهم، وعاد إلى الملك لينهزم الملك مرة أخرى وليعلم سالك الطريق أن الغلام لم يكن همه النجاة بنفسه، فقد كان بالإمكان أن لا يرجع، ولكنه إذا لم يرجع يكون قد قتل دعوته، وأعطى الملك ما يريد من فرصة إشاعة أن الغلام تراجع عن دينه، فتظل الناس خاضعة للملك الذي لا يقهر، لذلك رجع الغلام ليلقم الملك حجرا. 

واصل الملك بنفس الخطة التي فشل فيها مسبقا وأرسل الغلام مع جند إلى الجبل، الملك لأنه لا يعقل واصل بنفس الأسلوب الذي لم يفلح مسبقا، والجنود الذين قبلوا عبادة الطاغوت لم يكن لهم في زملاءهم الذين غرقوا موعظة لينجوا بأنفسهم، بل نفذوا ما أمروا به بالضبط كالكلاب المدربة، ولكن الله نجى الغلام منهم وأعاده ثانية إلى الملك.

هذه المرة جن جنون الملك، وصار قتل الغلام غاية في حد ذاته، ولو لم يرجع عن دينه، فالملك عاجز تماما عن قتله، هنا يطغى الإيمان على النفس فيرشد الغلام الملك على قتله بطريقة تجعل الناس تؤمن بأنه على الحق الذي من أجله يهون كل شيء، وفعلا يقتل الغلام، ويسلم الناس، ويخزى الملك، ويقرب الفوز الكبير بالحرق في الأخدود:

﴿قتل أصحاب الأخدود﴾﴿النار ذات الوقود﴾﴿إذ هم عليها قعود﴾﴿وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود﴾﴿وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد﴾﴿إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق﴾﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير﴾

نعم إنه الفوز الكبير، لحظات تفارق الروح فيها الجسد وتبدأ في النعيم حيث الحياة الحقيقية، فالذي يقتل في سبيل الله عز وجل، لم يمت، ونهى الله أن يقال له ميت، بل هو كما أخبر ربنا عز وجل: 

﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون﴾﴿فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾﴿يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين﴾

لذلك هذا الحرق في سبيل الله، وإن بدى مؤلما هو في الحقيقة الفوز الكبير في الدنيا والآخرة، فهل أنت مستعد للفوز الكبير ؟! هل تريده ؟! 

إذا كان جوابك بنعم فالطريق أمامك واضح، اعلن الكفر بطواغيت قومك، وبقانونهم، واعلن براءتك منهم، قائلا: 

يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين، وابدأ بدعوتهم إلى الإسلام لله وحده، واعلم أنهم سيسجنوك، ويعذبوك حتى ترتد عن دينك وتذعن لهم أو يقتلوك فتنال الفوز الكبير. 

إذا كنت عاجزا عن المواجهة، ولست أهلا لتكون مثل الغلام وأصحاب الأخدود، فكن مثل الراهب، اخرج من دنياهم عش وحيدا بعيدا عن سلطانهم، فأرض الله واسعة، ولن تعدم مكانا لا سلطان لهم عليه، وعش هناك بما تيسر لك حتى يأتيك الموت على ذلك فتلحق بالمؤمنين حيث النعيم.

في المقابل إذا آثرت الحياة الدنيا، وخضعت للطواغيت، وبررت ذلك بحجج السحرة التي هي منتشرة في مكان، فستعيش مع زوجتك وأولادك عيشة ظاهرها الرغد وباطنها الضنك، عيشة الدواب تخرج صباحا تبحث عن الأكل والشرب وشهوة الفرج، وتعود مساء، لتنطلق في اليوم الموالي، حتى يأتي الأجل ويتحقق الوعيد 

﴿إن بطش ربك لشديد﴾﴿إنه هو يبدئ ويعيد﴾

نعم إنه يبدئ ويعيد، الطاغوت الذي كنت تخافه لا يملك أن بعيد فيك الروح ليواصل تعذيبك بعد قتلك، بينما ربك قادر على ذلك، عذابه أبدي سرمدي والعياذ بالله، فانظر لنفسك أي العذابين أهون؟ 

عذاب الطاغوت في الدنيا؟

أم عذاب الله السرمدي؟

صارح نفسك ولا تخدعها فتندم، واعلم أن الباب لا يزال مفتوح فقد قال ربك : 

﴿وهو الغفور الودود﴾﴿ذو العرش المجيد﴾﴿فعال لما يريد﴾

واعلم أن الطاغوت الذي تخشاه، ليس على الله بعزيز، فربك يذكر بطواغيت أعتى منه في قوله: 

﴿هل أتاك حديث الجنود﴾﴿فرعون وثمود﴾

وكيف أن الله دمرهم تدميرا فلا تكن في تكذيب وسارع إلى الفوز الكبير.

author-img
داعية يحاول تقفي أثر الأنبياء في الدعوة

تعليقات

فهرست المقال