القائمة الرئيسية

الصفحات


الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، والصلاة والسلام على من أدى البلاغ المبين، وعلى من تبعه بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

يقول ربنا الرحمن الرحيم في كتابه المبين

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ

قبل مواصلة القراءة أدعوك لقراءة الآية مرة أخرى …

 وأخرى …

 تأملها … ثم واصل


اللام في "لقد" لام توكيد، و"قد" أداة توكيد إذا سبقت الفعل الماضي، والنون نون العظمة أيضا لتوكيد الأمر وأهميته، فما هذا الأمر الذي أكده اللّٰه كل هذا التوكيد في هذه الآية وفي غيرها كثير؟!

إنه يسر القرآن، ... نعم يسر القرآن … ولماذا كل هذا التوكيد؟ حتى لا تبقى لك حجة في عدم فهم القرآن وتدبره، وحتى يحثك بأروع أسلوب على تدبر كتابه، فهو يسير فما أنت فاعل ؟

هنا مفرق الطريق بين المؤمن والكافر، إن كنت مؤمنا فعلا فقد أتتك البشرى ويا لها من بشرى عظيمة كما قال اللّٰه في كتابه:

فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا

فاللّٰه يسر لك كتابه، لتتدبره، فيفتح اللّٰه عليك من كنوزه ما لا يعلمه إلا اللّٰه، فيزداد إيمانك كما قال ربك عن المؤمنين

وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً

ويطمئن قلبك، وتعيش في سعادة، قد عصمك اللّٰه من الضلال باتباعك لهداه كما وعدك في قوله:

فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى

وهكذا تعيش في جنة الدنيا، وتفوز بجنان الخلد مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.

أما إذا كنت ممن في قلوبهم مرض، المشككين بالقرآن بأفعالهم وإن أنكرتها أفواههم، فلن ترى توكيد اللّٰه المتكرر في الآية ولن تتدبر وتظل مكانك تتخبط في الظلمات كأنك لم تقرأ الآية، ولم تدرك البشارة، لأن ربنا قال

وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ

وبينما أنت مكانك تبحث عن شيء تبرر به كفرك وجحودك ولو لم تشعر، يأتيك شيطان من شياطين الأنس ممن قال اللّٰه فيهم

وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ

ممن يطلق عليهم العميان اسم العلماء أو طلبة العلم، ويقول لك إحذر!!! فلا يمكنك أن تفهم القرآن!!! وكثير من الطوائف ضلوا بسبب القرآن، كالخوارج، وكل الفرق الضالة، وقد كذبك في هذه وهو كذوب لأن ضلال الفرق لم يكن بسبب القرآن، بل بما كسبت قلوبهم، ولكن لا يهم فأنت أصلا لم تؤمن بالآية، لتستمر في رحلة الضلال التي توصلك إلى قعر جهنم إن لم تتب قبل موتك.

يواصل شيطانك ويقول لك أخي حتى لا تضل وتهلك عليك بفهم السلف للقرآن والسنة فهم أعلم منا وهم صحابة رسول اللّٰه ﷺ وهم خير هذه الأمة، فتهلل وتكبر وتقول له صدقت جزاك اللّٰه خيرا، لقد كدت أن أضل لو لا أني وجدتك، ولكن ستقول حين تلقى في جهنم

وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً

وتبدأ مسيرة التيه في طرق الضلال الملتوية، وستمر خلالها على كثير من الأحاديث الصحيحة التي تبين لك أن الصحابة رضوان اللّٰه عليهم وهم خير سلف بعد رسول اللّٰه ﷺ كانوا يجدون القرآن يسيرا، بمجرد أن تنزل الآية تطبق مباشرة، ولا أحد منهم يقول هذه الآية مشكلة، أو غير مفهومة، ورسول اللّٰه ﷺ بينهم يقرهم على ذلك، ويحيلهم على القرآن مباشرة، ويدرج القرآن في رسائله إلى الكافرين فيقول في آخر رسالته إلى هرقل

ويا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا: اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ

ولكن هيهات ... هيهات ... أن ينفعك كل ذلك، فأنت أبيت أول مرة عن القرآن، وأعرضت عنه أفستؤمن بغيره؟! مستحيل كما قال ربنا:

وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ

كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ

تواصل الانحدار، وتبدأ تقرأ كلام الذين يحرفون كلام اللّٰه وكلام رسوله من السلف والخلف، هنا تصفق لأنهم يوافقون هواك، فإذا قال اللّٰه

وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ

قالوا لك ليسوا بالكفار، - ويكذبون على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسبة كذبهم لهم - والآية أصلا تتكلم عن اليهود ولا تعنينا، فتجيبهم أنت لذلك، وتكذب آيات اللّٰه، وإذا قال رسول اللّٰه لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، قالوا لك بل هو مؤمن، فتجيبهم أنت لذلك مكذبا رسول اللّٰه ﷺ وهكذا ما يطلق عليه  فهم السلف للقرآن والسنة إلا ما رحم ربي .

وتظل في هذا الضنك والشك ويوم القيامة تحشر أعمى كما قال ربنا سبحانه

وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى

فأي الرجلين أنت ؟
author-img
داعية يحاول تقفي أثر الأنبياء في الدعوة

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. المصدق بيسر القرآن والعامل به إن شاء الله جزاك الله خيرا

    ردحذف

إرسال تعليق

فهرست المقال