القائمة الرئيسية

الصفحات

كشف تحريف الكلم : بيان الوحي إلى غموض الوحي


الحمد لله القائل في كتابه العزيز
﴿وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم﴾ 
والصلاة والسلام على من قال : 
تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب اللّٰه وسنتي
وبعد

بعدما بينا في المقالين السابقين من سلسلة كشف تحريف الكلم كيف أدى تحريف كلمة "أهل الذكر" إلى العلماء إلى ضياع العلم، وكيف أدى تحريف كلمة "الحاكم" إلى المفتي إلى ضياع الدين من أساسه؛ نكشف في هذا المقال عن تحريف جديد، أشد خطورة مما سبق، لأنه يعزل الناس عن كتاب اللّٰه، فيبقون في الظلمات يسهل سوقهم كالأنعام كما حدث فيما بعد.

إن أشد خسارة يمكن أن يمنى بها المرء هي خسارة نور الوحي، فيعجز عن التمسك به كما أمره ربه، ومن ثم يتبع كل ناعق، لأنه يصبح أعمى يتخبط في الظلمات يتعلق بكل شيء ليس له من هاد غير الهوى والتراث، وتلك هي الحقيقة المرة التي يعيشها الأرض اليوم إلا من رحم ربي .

قبل بيان تحريف طبيعة الوحي من مبين إلى غامض، أجد نفسي مضطرا للحديث عن الوحي، حتى يفهم القارئ عن ماذا أتحدث، لأن احتمال أن يكون القارئ أعمى كغيره شبه الاحتمال الاكيد في عالمنا اليوم فأقول

إعلم هداك الله أن القرآن تحدث عن الوحي نفسه لدرجة أنه يصعب أن تجد ثلاثين آية متصلة في القرآن إلا وفيها إشارة مباشرة أو غير مباشرة تتحدث عن الوحي نفسه، فالوحي كموضوع من أهم ما ركز عليه القرآن وذلك لأهميته وأهمية التمسك به حتى لا يضل المرء، وإليك بشكل موجز بعض خصائص الوحي للتعامل معه بناء عليها.

الوحي هدى

ركز القرآن على هذه الخاصية للوحي وهي جامعة مانعة، فكونه هدى بصيغة المصدر لتعلم أنه مشتمل على الهداية كلها وما يتعلق بها، ففيه الهداية نفسها وشروطها وموانعها وأماراتها، وهو بهذه الخاصية بيِّن، لأنه لو لم يكن بينا لما كان هدى، وإليك بعض الآيات التي أكدت هذه الخاصية الهامة.

﴿ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين﴾

﴿قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾

والآيات التي تركز على هذه الخاصية الهامة أكثر من أن يسعها مقال فهي كثيرة جدا

الوحي مبين

نعم هذه الخاصية كررها القرآن في مئات الآيات ليقطع الطريق على كل من تسول له نفسه أن يطعن في بيان الوحي، والقارئ للقرآن يجد أن كل كلمة تشتق من الفعل بيَّن نعت بها اللّٰه وحيه فقال:
﴿هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين﴾ 
﴿يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين 
﴿ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون﴾ 
﴿ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين﴾ 
﴿لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة
 
فكل هذه الآيات تؤكد على حقيقة أساسية وهي بيان القرآن، ولذلك نجد المؤمن لما يسأل عن رسول اللّٰه لا يقول هو محمد بن عبد الله الذي جاءنا بالقرآن، بل يقول هو محمد بن عبدالله الذي جاءنا بالبينات والهدى فصدقناه واتبعناه كما جاء في حديث أسماء الذي رواه البخاري، لاحظ قوله البينات والهدى بدل أن يقول القرآن والسنة مما يدل أن المؤمن يجد القرآن والسنة بينين فعلا وهدى لذلك أطلق عليهما هذا الاسم، وهذا ما يتوافق مع آيات أخرى حيث أن المؤمن لا يكون مؤمنا إلا إذا زادته آيات القرآن إيمانا مما يؤكد وضوح هذه الخاصية لدى المؤمن الحق.

الوحي نور

نعم الوحي نور يخرج اللّٰه به الذين آمنوا من الظلمات إلى النور، وطبيعة النور هامة جدا وهي فرقان بين الناس فإما أن يكون المرء بصيرا حين يكون من المؤمنين، وإما أن يكون أعمى وساعتها فهو من أهل النار كما قال ربنا في كتابه:

﴿ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون﴾

﴿ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا﴾

لذلك حتى تكون من المؤمنين يجب أن تبصر نور اللّٰه الذي قال عنه:

﴿يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا﴾

﴿يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين﴾

فأبصر النور قبل فوات الأوان.

الوحي تفصيل كل شيء

هذه أيضا من الخصائص الهامة التي ركز عليها القرآن حتى لا يبقى عذر لمن لم يكتفي به، فقال سبحانه:

﴿لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون﴾

﴿وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا

﴿ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين﴾

تلك بعض خصائص الوحي التي ركز عليها القرآن مرارا وتكرارا ليقطع الطريق على كل شيطان مريد يريد أن يصد الناس عن التمسك به ويضلهم، ولكن للأسف حين يعم الجهل ويتبع الهوى تعظم البلوى، ويسهل على الناس اتباع كل ضال مضل مادام يوافق هواهم وتراث أجدادهم، وهذا ما يظهر جليا في حالنا اليوم للأسف الشديد، فبرغم من كثرة الآيات الدالة على بيان الوحي وتفصيله إلا إنه من شبه المستحيل أن تجد من يصدق ذلك فعلا، وإن ادعى تصديقه بلسانه فلسان حاله يكذبه فما السبب ؟

إنه تحريف الكلم عن مواضعه الذي اشتغلت عليه شياطين الإنس منذ عقود لينهون ويصدون عن وحي اللّٰه تماما كما فعل مشركوا مكة حيث أخبر اللّٰه عنهم في قوله:

﴿وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون﴾

فكيف تم ذلك التحريف الخبيث الذي أدى لفصل الناس عن الوحي ؟

لقد استخدم شياطين الإنس من أتباع المذاهب لغرضهم الشيطاني آية من كتاب اللّٰه ليصدوا الناس عن تدبر القرآن كما استخدموا إشاعات كاذبة مفادها أن من ضل من الفرق السابقة كان السبب في ضلاله أخذ القرآن والسنة على ظاهرهما وهي كذبة مفضوحة لمن عنده أدنى علم بالقرآن لذلك سأعرض تحريفهم للآية الوحيدة التي يعتبرونها على ظاهرها ويخوفون الناس بها من القرآن وهي قوله سبحانه

﴿هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب﴾

لقد استخدموا هذه الآية لغرضين أساسيين وهما:

أولا أن القرآن متشابه رغم أن الآية الكريمة ذكرت أن الآيات المحكمات هن أم الكتاب، لكنهم يركزون على شق "وأخر متشابهات" ليوهموا أتباعهم أن كتاب اللّٰه متشابه كله ولا يجوز فهمه أحرى تدبره الذي أمر اللّٰه به.

ثانيا واو الابتداء في قوله "والراسخون في العلم" جعلوها واو عطف ليوهموا الجهلة أتباعهم أن فقط الراسخون في العلم هم من يفهم القرآن ويعرف تأويله، وبناء عليه قبل فهم آية يجب البحث عن معناها في كتب التفسير التي ملئت كذبا و تحريفا وتقزيما لآيات اللّٰه سبحانه، حتى أن بعضهم قال بأن الأخذ بظاهر القرآن والسنة أصل من أصول الضلال، هكذا وبكل بساطة متجاهلا مئات الآيات التي تؤكد على أن الوحي هدى، كما صرح شيطان آخر كان إماما للحرم يوما أن الوحي لا يكفي لعشر معشار الشريعة أي 1% والباقي كله من اجتهادات المجتهدين، كأن اللّٰه لم يقل تبيانا لكل شيء.

من العوامل أيضا التي استخدموها للتخويف من القرآن اختلافهم المقيت والسبب في زعمهم أن القرآن مشكل ولذلك سبب الاختلاف وكأن اللّٰه سبحانه لم يقل في كتابه:

﴿وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون﴾

فأوهموا الناس أن سبب اختلافاتهم صعوبة القرآن والسنة، بدلا من الحقيقة التي كشفها القرآن نفسه حين قال أن الاختلاف بغي بين المختلفين ليس أكثر، ولكن أين المبصر الذي سيبصر نور اللّٰه ليعلم ذلك؟!

author-img
داعية يحاول تقفي أثر الأنبياء في الدعوة

تعليقات

فهرست المقال