القائمة الرئيسية

الصفحات

كشف تحريف الكلم : تحريف كلمة أهل الذكر إلى العلماء


الحمد لله الذي أنزل النور المبين، والصلاة والسلام على النبي الأمين الذي بلغ البلاغ المبين كما أمره رب العالمين، وبعد

أنبأنا اللّٰه في كتابه العزيز أن أهل الكتاب حرفوا الكلم من بعد مواضعه لتكون لنا عبرة فلا نقع فيما وقعوا فيه، ولكن كما أخبر رسولنا ﷺ من اتباع من سبقنا، كان لا بد أن يظهر في هذه الأمة من يحرف الكلم كما أخبر رسول اللّٰه ﷺ، وقد ساعدت على ذلك عوامل عدة منها طول الأمد، والعجمة التي دخلت على الناس فصار أغلب العرب عرب زورا لا يفقهون لسان العرب، والأدهى من ذلك كله الحملة الشرسة التي قادها شياطين الإنس من هذه الأمة لصد عن كتاب الله، وذلك بتخويفهم للناس من تدبره بحجة أنه متشابه وأنه سبب ضلال كثير من الفرق، وأنه أصلا خاص بالعلماء، وهكذا حتى صار القرآن زينة في الديكور في كثير من البيوت والذين يقرؤونه يقرؤونه فقط للحسنات وقلوبهم وجلة من أن يفهموه أو يتدبروه، فهو الكتاب الذي لا يفهم ومن تدبره زاغ كما زاغ الأولون على وصفهم، نسأل اللّٰه السلامة مما أصابهم.

في هذه السلسلة سأحاول كشف بعض تحريف الكلم وقع على آيات أساسية ليس لمؤمن غنى عنها، وأحاديث كذلك راجيا من اللّٰه التوفيق والسداد في القصد والعمل

أول تحريف سنكشفه إن شاء اللّٰه هو تحريفهم كلمة أهل الذكر بقولهم العلماء في قوله سبحانه :

﴿وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾

إن هذه الآية بهذا اللفظ وردت مرتين في القرآن الكريم وبنفس السياق، وهو أن مشركي قريش كانوا يدعون أن الله عز وجل لا يرسل رجالا، وإنما يرسل الملائكة فأتى الرد من رب العالمين، بأنه سبحانه إنما أرسل رجالا من قبل، وأرشدهم إلى سؤال أهل الذكر الذين أرسل إليهم من قبل عن أنبياءهم هل كانوا رجالا أو ملائكة؟! 

هذا هو سياق الآية ومن تحريف الكلم عن مواضعه، اقتطاعه من سياقه ليستشهد به في غير محله، لكن بالرغم ذلك اقتطع المحرفون الكلم عن مواضعه، وجعلوا الآية في باب الفتوى، ودليل على سؤال من يطلقون عليهم العلماء، واتباعهم في فتواهم بغير دليل، فهل الآية بعد تحريفها عن موضعها تسعفهم لذلك؟!

إن من رحمة الله بعباده، أن هذه الآية وحتى بعد تحريفها ليس فيها حجة لهم على التقليد كما سنبين فما يلي

يستدل بهذه الآية كل الناس على أن اللّٰه أوجب سؤال العلماء بدليل أن أهل الذكر هم العلماء، فهل كل من نظنهم علماء  أهل الذكر؟ هنا يبدأ الإشكال، وتبدأ تتجلى خيوط الشيطان في هذا التحريف الماكر لكتاب اللّٰه فأقول:

إن كتاب اللّٰه بين يسير دقيق في معناه، بليغ في أسلوبه، جعله هدى للمتقين، لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، شفاء وبشرى ورحمة للمؤمنين، لذلك كل كلماته حق، وكل حروفه حق، من بدل حرفا كفر، ولا يمكن بحال الأحوال أن نجد كلاما أبين منه أو يسر أو دق رغم أنوف أهل الإختلاف، نعود للآية فنجد ربنا قال

﴿ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾
 
فقال أهل الذكر ولم يقل العلماء لماذا ؟

أولا لنعلم من يسأل حين لا نعلم؛
ثانيا حتى نعرف ما هو العلم  وهو الذكر، ومنهم العلماء حقا وهم أهل الذكر ؛
ثالثا حتى نعرف أن ما يجب أن نسأل عنه هو الذكر الذي أنزله اللّٰه عبده وليس أي شيء آخر.

فنجد في هذه الآية تحديد من نسأل وعن ماذا نسأل وما هو العلم ومن العلماء، كل ما سبق تحدده كلمة "أهل الذكر" الواردة في الآية، فإذا حرفت إلى العلماء ضاع كل ذلك التحديد وتبدأ رحلة التيه التي نعيشها منذ قرون وإليك بيان ذلك

روى البخاري في صحيحه قول النبي ﷺ

إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا
للوقوف على رويات الحديث وطرقه وتراجم رواته ودرجة صحته إضغط هنا 

لو تأملت قول رسول اللّٰه ﷺ رؤوسا جهالا وعلمت أنه ﷺ لا ينطق عن الهوى، وإنما يسمي الأشياء بأسمائها، لعلمت أنهم الذين يعتبرهم الناس اليوم علماء وهم في الحقيقة رؤوس الجهل والجهالة، ولولا تحريف الآية السابقة لما نصبهم الناس رؤوسا، ولكن حين جهلنا ما هو العلم وعن ماذا نسأل ومن نسأل صرنا كالعميان يتخبطون في الظلمات ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإليك بعض النتائج الكارثية لهذا التحريف الذي قد تراه بسيطا

النتيجة الأولى جهلنا الوحي فكيف لنا أن نقول عنه أنه البينات والهدى؟ وإنها لخسارة عظيمة لأن رسول اللّٰه ﷺ بين في حديث أسماء الذي رواه البخاري أن المؤمن حين يسأل في قبره عن رسول اللّٰه ﷺ يقول هو محمد بن عبد اللّٰه الذي جاءنا يالبينات والهدى فصدقناه واتبعناه، فكيف لمن يجهل الوحي في حياته أن يقول في قبره أنه البينات والهدى ؟!

النتيجة الثانية جهلنا ماهية العلم نفسه فصار العلم يطلق على كلام البشر، وليس على الوحي، ولذلك حين يقرر أحدهم طلب العلم، يطلب الجهل في أقوال الرجال، ويعرض عن الوحي، وكلما غاص أكثر في كلام البشر، واستشهد به أعجب الناس به واعتبروه عالما، فيتفنن في قال فلان وقال علان، نسأل اللّٰه السلامة مما أصابهم .

النتيجة الثالثة صرنا مقلدين كلنا يستوي في ذلك جاهلنا ورأس جهالتنا الذي نظنه عالما، والدليل على ذلك أنظر إلى كلام أي واحد ممن تظن أنه عالم وستراه مقلدا لفلان وعلان، فكيف لنا والحال هذه أن نعرف رسول اللّٰه ﷺ حين نسأل عنه في قبورنا؟! هيهات … هيهات ...

تلكم بعض النتائج الكارثية لهذا التحريف المنتشر بين الناس لكلمة أهل الذكر الواردة في الآية فهل ستقبل بعد هذا كله أن تسأل غير أهل الذكر ؟!
author-img
داعية يحاول تقفي أثر الأنبياء في الدعوة

تعليقات

فهرست المقال