القائمة الرئيسية

الصفحات


لقد تمت مراجعة هذا المقال في المدونة الجديدة، للإطلاع عليه إضغط على زر:

زيارة المقال


النسخة القديمة من المقال:


الحمد لله القائل في كتابه العزيز: 

﴿بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون﴾

والصلاة والسلام من بعث رحمة للعالمين، وبعد 

رأينا بالأدلة والبراهين أن مصدر التلقي والتشريع عند المؤمن هو الوحي حصرا، واليوم سوف نتدارس بعض الصفات الأساسية لهذا الوحي التي تجعل منه كافيا للمؤمن فيه كل ما يحتاجه عمليا في جميع حياته. 

إن الوحي كموضوع من أهم المواضيع التي تحدث عنها الوحي نفسه، وذلك لأهميته ومحوريته في ملة المؤمن، فالإيمان به هو الأساس الذي يبني عليه الدين كله وهو الفرق الجوهري بين المؤمن والكافر، لذلك لا غرابة أن يكون الموضوع الأساسي الذي يتحدث عنه الوحي هو الوحي نفسه، وعليه فإننا في هذا المقال سنتطرق فقط لبعض الخصال التي تجعل الوحي كافيا للمؤمن، فخصال الوحي كلها أكثر من أن يسعها مقال، فهي موضوع الوحي الأساسي كما أسلفت، فأقول مستعينا بالله : 

يمتاز الوحي بعدة خصال كلها مهمة جدا، ولكننا سنركز على كونه بينات ومبينات بكسر الياء وكونه عملي جدا بعيدا عن أن يكون نظريا، فأقول: 

إنه آيات بينات

فهو مبين وبيان وبينة وميسر وعلى دلت آيات كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر قوله عز وجل : 

 ﴿ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون﴾

﴿هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين﴾

﴿يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين﴾

﴿ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر﴾

إن هذه الآيات لا تدع مجالا للشك في بيان ويسر الوحي، مما ينفي عنه كل أنواع الغموض والعسر، فهو في بيانه نور ساطع يبصر به المؤمنون ويهتدون به، فلا يحتاجون بعده إلى بيان أو تيسير فهو المبين الميسر من رب العالمين الخبير العليم. 

قد يقول قائل إذا كان الوحي مبينا يسيرا فعلا كما نصت الآيات، فلماذا هذه التفاسير التي تملؤ المكتبات، والتي لا غنى للناس عنها ؟ 

فله نقول إن الوحي مبين ويسير فعلا ولا يكذب بذلك إلا من هو كافر بآيات الله، ولكن بيانه وإن كان جليا ونوره وإن كان ساطعا لا يراه إلا المؤمنون الصادقون، أم الظالمون فهو عليهم عمى كما قال الله عز وجل: 

﴿ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد﴾

فبيان الوحي ويسره خاص الذين آمنوا دون غيرهم، أما الذين كفرو فيزيدهم ضلالا وكفرا كما قال ربنا:

﴿قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين﴾

فإذا كنت لا ترى الوحي مبينا يسيرا وانت تعرف لسان العرب، فاعلم أنك ممن جعل الله على بصره غشاوة وفي أذنيه وقرا وقلبه في أكنة والعياذ بالله.

إن هذه الكتب التي تسمى تفاسير للقرآن أو شروح الحديث كتب لم يأذن الله عز وجل في كتابتها أصلا، وكلها كتبت في عصور إنحطاط الأمة، لما زاغت الناس عن الوحي واتبعت كل ناعق، وهي وإن اختلفت في مضامينها لكنها تتفق في عدة نقاط 

الكذب على الله: ويبدأ ذلك من العنوان الذي في الغالب جملة خبرية عن الله أو عن كتابه مثال ذلك "جامع أحكام القرآن" وكأن القرطبي أحاط بكل ما في القرآن من أحكام وهذا مستحيل نظرا لغنى القرآن وكماله وعجز البشر عن الإحاطة به.

مثال آخر "فتح الباري" وما يدري ابن حجر أن كتابه بما حمل فتح من الله فقوله"فتح الباري" اخبار عن الله في وصف كتابه، وهذا ما لم ينزل به وحي من الله عليه، كما أن الكتاب وما حمل منتحريف لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بزخرف القول الذي أوحته الشياطين أقرب لينسب للشيطان من أن ينسب لله عز وجل.

تحريف الكلم عن مواضعه: تمتلؤ هذه الكتب بتحريف الكلم عن مواضعه وذلك من خلال تقزيم الآيات، أو ربطها بآثار مكذوبة أو بالإسرائيليات المكذوبة، أو غير ذلك من طرق يأخذها المحرفون للكلم عن مواضعه، فكثيرا ما تأتي الآية أو الحديث ويقول هذا المفسر ظاهره غير مراد، أو يقول اختلف فيه الناس على كذا من قول، ويسوق أقوال الذين اختلفوا في الكتاب الذين قال ربنا عنهم:

﴿ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد﴾

يحتج بعض الجاهلين المكذبين بآيات الله، بأن الصحابة رضوان الله عليهم فسروا القرآن، ولو كان القرآن مبينا لكل الناس لما احتاج الصحابة إلى تفسيره، فلهؤلاء أقول كيف للصحابة رضوان الله عليهم أن يفعلوا أمرا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم من هم في اتباعه صلى الله عليه وسلم؟! 

لا شك في كون الصحابة رضوان الله عليهم كانوا أشد الناس حرصا على اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كانوا أبدا ليفعلوا أمرا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صلى الله عليه وسلم لم يرو عنه فسر القرآن كما فعل المفسرون، فكيف فسر الصحابة القرآن إذا؟ 

إنك إذا نظرت فيما يسمى بتفسير الصحابة رضوان الله عليهم للقرآن، وجدت أغلب ما ينسب إليهم ساقط سندا، ولا عجب في ذلك فلم يزل الكذابون يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ليحرفوا بذلك دين الله.

ثم إنك أذا نظرت في القليل الصحيح وجدته على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: يتحدث عن أسباب نزول الآية، كأن يقول الصحابي رضي الله عنه نزلت في  كذا مثل حديث أنس في قول الله عز وجل : 

ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة

حيث قال إنها نزلت في الأنصار بعد أن ساق سبب نزولها.

القسم الثاني يتحدث عن أحداث وقعت مرتبطة بالآية وهذا القسم هو أغلب الأقسام، وهو غالبا ما يبين أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يرون القرآن بينا يسيرا يتعاملون معه مباشرة دون الحاجة إلى تفسير، من أمثلة ذلك حديث طلحة المتعلق يقول الحق 

لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون

القسم الثالث - وهو قليل جدا - التفسير بالمثال، كان يعطي الصحابي رضي الله عنه مثالا على أمر ما يبين به للسائل ما يسأل عنه، مثال ذلك ما روي عن عمر في كون الطاغوت الشيطان، والجبت السحر، فكلام عمر هذا إن صح إنما يسمى تفسيرا بالمثال حيث أنه يعطي للسائل - الذي يفهم معنى الكلمة في لسانه - مثالا واقعيا على الطاغوت.

إنك إذا نظرت في الأقسام الثلاثة السابقة تبين لك أن تفسير الصحابة رضوان الله عليهم بعيد كل البعد من التفاسير الموجودة اليوم التي ملأت كذبا وتحريفا لكتاب الله عز وجل.

إنه آيات مبينات

 بكسر الياء ففيه بيان كل شيء وقد نص الله على ذلك في عدة مواضع من بينها قوله سبحانه : 

﴿رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا﴾

ففيه بيان كل شيء، لا يحتاج المؤمن بعده إلى أي بيان، قد فصل الله فيه كل شيء فلم يترك أمرا إلا وفصله أشد تفصيل فلا مجال للخلاف ولا للشك ولا للريبة وقد نص على ذلك في قوله : 

﴿وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون﴾

﴿ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين﴾

﴿وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا﴾

إن الإيمان بهذه الصفة وعدمه هو الفارق بين المؤمن والكافر، فكل الكفر الذي طرأ على الأمة إنما مرده الكفر بأن الله بين كل شيء وفصله، ومن ثم يخترعون لأنفسهم مكملات يكملون بها النقص المزعوم في بيان واستيعاب نصوص الوحي لكل ما يحتاجه المرء، ولقد سبق وناقشنا بعض ذلك في مقالات أحيل القارئ إلى هذا المقال الذي يتحدث عن الاختلاف وكيف صيره الناس ضرورة حتمية بالرغم من قول الله عز وجل: 

﴿وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون﴾

الوحي عملي 

نعم يمتاز الوحي بكونه كتاب عملي جدا يتنزل على الواقع بعيدا عن النظري المجرد، مما يمكن المؤمن من العيش وفقه في كل حياته، فهو يحدثه بما عليه أن يفعل في كل أحيانه، ويعالج ما يخالج نفسه من مشاعر وأحاسيس، فيقومه ويزكيه ويرتقى به إلى العلا، وبهذا، وفقط هذا يتحقق الإيمان الفعلي بالوحي، وقد بين الله ذلك في عدة مواضع منها قوله سبحانه : 

﴿مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين﴾

حيث أوضح أن حمل كتاب الله دون الانتفاع به كالحمار يحمل أسفارا إنما هو تكذيب لآيات الله، التي لم تنزل إلا ليعمل بها، وقد بين هذا المعنى وأكد أن الحامل لكتاب الله غير العامل به أنه منسلخ ومكذب في الحقيقة بآيات الله في قوله عز وجل: 

﴿واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين﴾﴿ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون﴾﴿ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون﴾.

ولقد ناقشنا هذا الشرط في الإيمان في مقال منفصل يمكن الرجوع إليه هنا.

تلك هي أهم الخصائص التي أردنا التنبيه عليها، ليسيتقن المؤمن على أن في وحي الله الكفاية وزيادة، فلا يتخذ مصدرا يتلقى منه أي شيء سواه.


author-img
داعية يحاول تقفي أثر الأنبياء في الدعوة

تعليقات

فهرست المقال