القائمة الرئيسية

الصفحات



إن الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شدايدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا ماكثين فيه أبدا، وصلى الله على السراج المنير الهادي إلى صراط مستقيم، الرؤوف الرحيم بالمؤمنين وبعد.

أبدأ مستعينا بالله سبحانه وتعالى سلسلة مقالات أبين فيها بعض النتائج الوخيمة التي تسبب فيها المرض الأخطر الذي أصاب الأمة منذ قرون وهو عدم تدبر القرآن الكريم؛ هدفي الأول هو الدخول فيمن قال الله سبحانه وتعالى وفيهم :"وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ"؛ وثانيا أهدي هذه السلسلة ﻷولئك الذين همهم الحق وفقط الحق، الذين لم تتلوث نفوسهم بالتعصب الأعمى، ولم تغلف قلوبهم الأكنة، ﻷنهم كالأرض الطيبة تقبل الماء فتنبت وتثمر فلهم أكتب ﻷنهم وحدهم من سيستفيد ويفيد بالنصح والنقد البناء.

الأمر المعصي

إن الله سبحانه وتعالى أمرنا في كتابه العزيز بتدبر كتابه فقال سبحانه وتعالى 

 كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ

 وقال

أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها

لذلك لم يبق إلا ما كلفنا به من السمع والطاعة، حيث قد اعطينا الميثاق على السمع والطاعة، ونحمد الله على ذلك وقد ذكرنا الله بميثاقه حين قال :

وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ

فأين السمع والطاعة ؟ 
للأسف الشديد لقد عصينا أمر التدبر، كما عصينا غيره، فلا تكاد تسمع عن تدبر القرآن من أحد سواء من الخاصة أو العامة، وبدلا من ذلك تملؤ مكتباتنا كتب لم يأمر الله بكتابتها ولم يأذن، وإلى الله المشتكى.

إن السنة النبوية على رغم من كونها وحي من الله إلا أن رسول الله لم يأذن بكتابة السنة إلا في نهاية عمره صلى الله عليه وسلم ليبقى القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد عند الصحابة رضوان الله عليهم أغلب حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فأثمر ذلك الجيل الفريد الذي لم تعرف الأمة مثله إلى اليوم.

إن الصحابة رضوان الله عليهم لم يعصوا أمر الله بالتدبر كما عصيناه، بل أطاعوه قبل أن يصدر إليهم حتى، فالواحد منهم يتدبر كل ما يعرف من القرآن، ﻷنه على يقين أن القرآن يخاطبه شخصيا، وأنه مسئول عن أوامره ونواهيه، ويخبره عن ماضيه وحاضره ومستقبله، وهو مع ذلك يجده بين يسير تماما كما ذكر الله سبحانه وتعالى وعنه.

أخي الحبيب لتتذكر أنه مالم تكن على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته فلا نجاة من النار ولا فوز بالجنة فسارع أخي فالوقت الذي يمر محسوب من عمرك.

إن القرآن نور وهدى ورحمة وشفاء لما في الصدور، ولكن لا يستفيد منه سوى من يتدبره، فالتدبر هو الوسيلة الوحيدة التي تجعلك تبصر بنور القرآن وتتنعم برحمته وتستبشر ببشاراته وتتعظ بمواعظه، فبدون التدبر صرنا كالعميان الصم البكم الذين لا يعقلون فأنى لنا لاستفادة من القرآن؟

 إن مما يشهد على ما سبق هو التناقض الكبير الذي وقع فيه أغلبنا إلا من رحم ربي، فمن جهة القرآن بين يسير لأنه لا يمكن نكران ذلك ومن جهة أخرى لا يمكن فهمه ولا الاستفادة منه مباشرة ونحاول أن نجد ما ييسره علينا فنلجأ إلى مانسميه كتب التفسير لعلنا نستفيد منه في محاولة يائسة حيث نستعين بالأصعب فهما لفهم الأيسر مما يثبت التناقض بين لسان حالنا ولسان مقالنا.

لعلك أخي الفاضل مشتاق لمعرفة كيف تتدبر كتاب الله فمن النادر جدا أن تجد كتابا يتكلم عن التدبر على حد علمي المتواضع، ولجواب سؤالك الهام وفقني الله وإياك لما يحب ويرضى، علينا أن نطرق باب الحبيب صلى عليه وسلم ونسأله فهو وحده من أمرنا باتباعه دون غيره من البشر كائنا من كان، فإن فعلنا ذلك وقرأنا في سنة نبينا صلى الله عليه وسلم باحثين عن كيف تعامل رسول الله وصحابته باقراره صلى الله عليه وسلم لوجدنا مفتاح التدبر الذي أضعناه منذ زمن بعيد، وهو أن القرآن يخاطبنا بشكل مباشر، وهكذا تعامل معه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم، نجد ذلك في الأحاديث الصحاح الكثيرة على سبيل المثال لا الحصر ما أخرجه مسلم في صحيحه 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: ٢٨٤]، قَالَ: فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ، فَقَالُوا: أَيْ رَسُولَ اللهِ، كُلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ، الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْجِهَادَ وَالصَّدَقَةَ، وَقَدِ اُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَا نُطِيقُهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟ بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَرَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ "، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ، ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ فِي إِثْرِهَا: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.   الآية.

فتأمل أخي كيف أنهم شعروا بأن مخاطبون بقول الله في الآية وكيف أقرهم رسول الله على أن الآية تخاطبهم فعلا مع أمره إياهم بالتسليم لما ورد فيها.

أخي الكريم كن مرة نمر على هذه الآية نفسها ونواصل القراءة دون أن تثير فينا أي شعور وكأن قلوبنا غلف وفي آذاننا وقر والعياذ بالله.

كخلاصة لما سبق إذا أردت أن تتدبر القرآن اشعر بأن القرآن يخاطبك منزل إليك أنت تحديدا ﻷنه فعلا كذلك سواء شعرت أو لم تشعر.

كيف تركنا التدبر؟

لا أريد الخوض في أسباب تركنا لتدبر القرآن على مر العصور بشكل مفصل، ولكني سأشير إلى السبب الأهم وسأرد على أسباب يتوهمها البعض.

إن السبب الأول في عدم تدبر القرآن هو ضعف الإيمان بالآخرة للأسف الشديد، نعم فحين يضعف الإيمان بالآخرة لا يهتم المرء لا لجنة ولا نار، وبالتالي لا يهتم لمن يأخذ عنه دينه فالدين عنده جزء من الثقافة والهوية أكثر من كونه سبب وجود ووسيلة نجاحه وفلاحه في الدارين.

يضاف إلى هذا أسباب أخرى طرأت مع تقادم العصور وهو صد الناس عن كتاب الله بشكل ممنهج يقوم به أرباب السوء الذين عبدهم الناس من دون الله، أذكر مقالة أحدهم على سبيل الاستشهاد لا الحصر "الأخذ بالكتاب والسنة أصل من أصول الضلال" هكذا وبكل بساطة تحول النور المبين والهدى إلى ضلال عند هذا الأعمى ومن تبعه من العميان والله المستعان على ما يصفون، فيصد بذلك ضعفاء الإيمان عن تدبر كتاب ربهم فيزدادون عمى على عماهم وضلالا على ضلالهم والعياذ بالله.

يظن البعض أن العجمة التي طرأت على الألسن هي السبب الرئيس في عدم تدبر القرآن الكريم والسنة النبوية، وهذا بعيد كل البعد عن الواقع وذلك لسببين رئيسين:

أولا يبان القرآن الكريم ويسره وتفصيله وهو ما لا يمكن ان ينكره مسلم إذ أن نكرانه تكذيب للقرآن والعياذ بالله؛

 ثانيا نجد تلاميذتنا وأساتذتنا يعكفون على كل النصوص فلسفية كانت او شعرية او نثرية فيدروسنها ويستخرجون منها ما فيها من زهيد البضاعة مقارنة بالقرآن الكريم ولو أنهم اهتموا بالقرآن الكريم لتغير حال الأمة تغييرا جذريا.

أرحب بكل نقاش هادف يسعى صاحبه للحق وأعرض عن كل ناعق بما لا يسمع؛ في المقال القادم عدم تدبر القرآن الكريم أوقع الأمة إلا من رحم ربي في الكذب على الله.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

author-img
داعية يحاول تقفي أثر الأنبياء في الدعوة

تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق
  1. السلام عليكم كيف يكون الجمع بين هذه الاية (إن تبدوا مافي أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به ..) وهذا الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ".

    ردحذف
    الردود
    1. وعليكم السلام
      هذه الآية نسخت بقول الله عز وجل
      لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت
      كما ورد في الحديث الذي ذكرت في المقال، وهذا من رحمة الله عز وجل لما سلم الصحابة رضوان الله عليهم لأمر الله وقضاءه بمحاسبتهم بما في انفسهم رغم خطورته لما سلموا وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير أنزل الله شهادة منه لهم ولرسوله بالإيمان فقال
      آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه
      ونسخ الحكم السابق وجعل الحساب على العمل
      لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت

      حذف

إرسال تعليق

فهرست المقال