القائمة الرئيسية

الصفحات

الاحتجاج بالوحي

الحمد لله الذي له الحجة البالغة، والصلاة والسلام على من بلغ البلاغ المبين، فما ترك خيرا إلا دل عليه، ولا شرا إلا حذر منه، وبعد

نستأنف مستعينين بالله عز وجل سلسلة شروط الإسلام التي لا يصح إلا بها، وشرطنا الذي سنتحدث عنه اليوم شرط مفقود عن العامة والخاصة إلا من رحم الله، ألا وهو الاحتجاج بالوحي حصرا، يقول ربنا عز وجل: 

﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا﴾

إن هذه الآية بينت فيما بينت بصريح العبارة أن الاحتجاج عند التنازع إنما يكون بالوحي قرآنا وسنة، وجعلت ذلك شرطا من شروط الإيمان بالله واليوم الآخر، ورغبت فيه بكونه خير وأحسن تأويلا فهل أنت سامع مطيع ؟! 

إن هذه الآية فرقان بين الناس، فالناس عندها منقسمين إلى مؤمن بها، عامل بها، وآخر كافر بها، يمرها عليها كالحمار يقرأها، ولا يفهمها رغم وضوحها، فيظل يحتج بقال فلان وقال علان، شارخا بذلك شرطا من شروط الإيمان بالله واليوم الآخر.

إن هذه الآية بينت فيما بينت أنه لا حجة في غير الوحي فأسقطت بذلك كل الحجج التي يحتج بها الكفرة من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، مثل القياس والإجماع وغيرها من الحجج التي ابتدعوا رغبة عن طاعة أمر الله عز وجل السابق، فكفى بهذه الآية دليلا على بطلان دينهم.

إن هذه الآية أشارت في آخرها إلى مفاضلة بين الوحي وما سواه وذلك بقوله 

ذلك خير وأحسن تأويلا

فخير أصلها أخير، وهي وكلمة أحسن من صبغ التفضيل أتى بهما الله لبين أن الاحتجاج بالوحي ليس شرطا من شروط الإيمان بالله واليوم الآخر وحسب، بل هو أيضا خير من الاحتجاج بما سواه، كما أنه أحسن تأويلا، فالوحي إنما أنزل للاحتجاج به ليفصل بين الناس فيما اختلفوا فيه 

﴿وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون﴾

فمتى رد المتنازعون ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله اتضح الحق وزال التنازع، أما إذا رغب عنه المتنازعون، كما هي حال المتمذهبة، ظل النزاع واشتد وتفرع منه نزاعات أخرى، ظلمات فوق ظلمات والعياذ بالله، فالمتمذهبة بدأوا أول ما بدأوا بالاحتجاج بأئمتهم دون إذن من الله، ثم تطور اختلافهم فصار في المذهب نفسه اختلافات، ثم تفرع عن كل اختلاف منها اختلافات أخر وهكذا، كما هو معلوم عند الدارس لهم، كل هذا كان بسبب رغبتهم عن طاعة أمر الله في هذه الآية.

أيها المسلم إذا أطعت ربك فابشر براحة البال فلن تجد من يتنازع معك، فالناس تجهل الوحي ولا تستطيع الاستدلال به أصلا، لذلك لن تجد من يناقشك وليس أمام خصمك غير التسليم أو الانسحاب. 

بقي أن أشير أن رد التنازع إلى الوحي حصرا إنما يكون النزاع بين المؤمنين، لان الآية نصت عليه في قوله

فإن تنازعتم 

والضمير أنتم المستتر وجوبا يعود على المؤمنين الذين بدأت الآية يتوجيه النداء لهم 

يا أيها الذين آمنوا 

أما إذا كان النزاع بين المؤمن والكافر، فالكافر أصلا لا يؤمن بالوحي، والحجة بين الخصمين يجب أن تكون حجة يؤمن بها الخصمان، وفي هذه الحال نجد الله عز وجل يخاطب الكفار بالحجج العقلية لعلهم يعقلون، وهذا أسلوب المؤمن في دعوة الكفار، أما الذين يدعون الإسلام وهم كفار نلزمهم بهذه الآية وحينها يزهق باطلهم قبل بدأ النقاش أصلا. 

للمزيد حول الموضوع 



author-img
داعية يحاول تقفي أثر الأنبياء في الدعوة

تعليقات

فهرست المقال