القائمة الرئيسية

الصفحات


عند التطرق للمنهج السلفي، تبرز مشكلة اختلاف التيارات السلفية اختلاف التناقض، مثل السلفية الجهادية، والسلفية المدخلية، فهما تياران متناقضان تماما ومع ذلك كلاهما يتبنى المنهج السلفي كمنهج يفتخر به، مما يجعل من الصعب تصور أن المنهج السلفي منهج واحد، كما هي الحال فعلا كما سنبين في هذه السطور. 
إن من الإنصاف أن نحاكم المنهج السلفي والسفليين بما يقولون هم عن أنفسهم، ويكررونه دوما ويفتخرون به، وهذا ما سنقوم به في مقالنا هذا وذلك من خلال تحليل مقولتهم الشهيرة، نتبع الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، فنقول: 
إن قولهم "الكتاب والسنة بفهم …" يفيد أن للوحي أفهاما متعددة وهم يختارون من بين تلك الأفهام فهم السلف ويقدمونه على فهمهم هم بحجة أن السلف أعلم وأتقى منهم، وهذا الكلام لا يمكن أن ينطبق على الوحي إلا إذا كان الوحي مشكلا عسيرا كل يفهمه بطريقته الخاصة وأن يكون سبب في الاختلاف، وهذا باطل بين البطلان لأن الوحي نور مبين لم ينزل أصلا إلا لبيان ما اختلف فيه كما أخبر ربنا عز وجل في قوله : 
﴿وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون﴾
وقد سبق وناقشنا طبيعة الوحي النورانية وبيانه سابقا في مقال بعنوان بعض خصائص الوحي يمكن الرجوع إليه، لذلك نفول أن مقولة "نفهم الكتاب والسنة بفهم …" تدل على عمى قائلها لأنه لو رأى نور الوحي، لما احتاج إلى بصر غيره، فهو كمن يقول أرى الشمس بعيني فلان، وهذا لا شك في عمله والعياذ بالله. 
إن الفرق بين المؤمن والكافر هو رؤية نور الوحي من عدمها وقد نص الله على ذلك في قوله : 
﴿مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون﴾
وأخبر ربنا أهل النار هم الذين لا يرون الوحي في قوله : 
﴿ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون﴾
فالسلفي إذا يثبت بمقولته هذه بما لا يدع مجالا للشك أنه أعمى ومن ثم من أصحاب النار ولو لم يدري. 
يقول السلفي "بفهم سلف الأمة" وحين يسأل عن من يقصد بسلف الأمة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم والقرون المزكاة، والواقع أنه في الحقيقة يقصد بسلف الأمة من أتوا بعد ذلك من علماء المذاهب ومن بعدهم حتى المتأخرين من أمثال ابن تيمية وتلميذه ومن في طبقتهم، هذا هو السلف الذي يحتج السلفي به، أما فهم السلف فيقصد به آراءهم، فالسلفي يختار بهواه أحد السلف ليقلده في رأيه، ومن ثم نفهم الاختلاف الشديد في التيارات السلفية فالسلف ليسوا كتلة متجانسة، بل مختلفون أشد الاختلاف، فلا توجد مسألة إلا ولهم فيها أقوال متناقضة تماما، وهذا ما ينعكس على مقلديهم المعاصرين، وليتضح ذلك نورد المثال التالي :
اختلف السلف في صلاة فاقد الطهورين كما نقل أبو الحسين يحيى بن أبي الخير الشافعي في كتابه البيان في مذهب الإمام الشافعي حيث قال:   
"وإن عدم الماء والتراب، بأن حبس في موضع لا يجدهما، أو لم يجد إلا ترابًا نجسًا... فالمشهور من المذهب: أنه يجب عليه أن يصلي على حسب حاله. وبه قال الليث، وأبو يوسف، ومحمد، وأحمد.
وقال أبو حنيفة: (يحرم عليه أن يصلي، ولكن يقضي):
وحكى الشيخ أبو حامد: أن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال في القديم: (يعجبني أن يصلي حتى لا يخلو الوقت من الصلاة، ولا يجب عليه؛ لأنه لا يفيد، ولكن يقضي).
وقال مالك، وداود: (لا يجب عليه أن يصلي، ولا يقضي)". انتهى
فكما ترى اختلف السلف على السلفي في هذه المسألة اختلاف التناقض بين من يوجب عليه الصلاة ويحرم عليه القضاء، وبين من يحرم عليه القضاء ويوجب عليه الصلاة وبين من يحرم عليه القضاء والصلاة معا، مما يجعل السلفي مضطرا لاتباع هواه فكل هذه أقوال السلف، ويستحيل اتباعها كلها في آن واحد، ولا سبيل لترجيح أحدها على الأخر إلا بالهوى فالسلفي أصلا لا يفهم الدليل وغير مخول لفهمه كما يزعم هو نفسه. 
إن مسائل الدين كلها عند السلف مثل هذه المسألة أو أسوأ منها لأن السلف مختلفون أشد الاختلاف في أصولهم التي يبنون عليها مسائلهم ومن ثم فلا أمل في اتفاقهم في الفروع. 
يتضح مما سبق أن المنهجي السلفي منهج بني على الجهل بالوحي - حيث اعتبره غامضا مشكلا له أفهام متعددة - واتباع الهوى في تقليد السلف المتشاكس، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

author-img
داعية يحاول تقفي أثر الأنبياء في الدعوة

تعليقات

فهرست المقال