القائمة الرئيسية

الصفحات

الحمد لله الذي تتم بحمده الصالحات والصلاة والسلام على الرحمة المهداة وبعد

شرق قوم فحرموا العمل عند الطاغوت مطلقا وادعوا في ذلك أنه ثبيت لحكمه ومشاركة فيه، وغرب آخرون فأجازوا العمل عند الطاغوت مطلقا واستدلوا على ذلك بالآيات والأحاديث الصحيحة في جواز الإجارة عند الكافر وعدم ورود نص فيما ادعوا على تحريمها، ولو أن الفريقين تركوا التعصب وقبلوا برد التنازع إلى اللّٰه ورسوله لاستبان لهم الحق فيما اختلفوا فيه وهذا ما سأبينه في هذه السطور بعون اللّٰه لطالب الحق الباحث عن الدليل المتمسك به فأقول

إن سبب الاختلاف الحاصل بين الطرفين سببه خلط في أمرين متقاربين وهما العمل لذات الطاغوت والعمل لدين الطاغوت فمن أباح قصد العمل لذات الطاغوت ومن حرم قصد العمل لدين الطاغوت وهنا وقع الالتباس ونصر كل منهما فتواه واتهم الثاني بالشرك بتشريع ما لم يأذن به اللّٰه وإليك بيان ذلك

إن العمل للكافر إجارة وقد أتت النصوص تثبته من عمل يوسف ﷺ عند ملك مصر وعمل أم موسى ﷺ عند فرعون كمرضعة وعمل خباب للعاص بن وائل، إذن فلا شك في حليته لأنه كله عمل لذات الكافر، وقد غفل أولئك عن قول اللّٰه سبحانه
﴿فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين﴾

وكيف أن اللّٰه جمع فرعون وهامان وجنودهما في الحكم، فلو كان هامان (السلطة التنفيذية) والجند مجرد أجراء لما شملهم الحكم بالخطيئة مع فرعون الطاغوت الأكبر، ولكنهم كانوا يعملون ليس لذات فرعون بل لدين فرعون الذي يفرضه على الناس ولذلك شملهم حكم فرعون، وهذا ما سأبينه في واقع الكثير من الواظائف التي عندنا اليوم ولكن قبل ذلك أود أن أنبه على أن يوسف ﷺ الذي عمل لذات الملك لم يخضع أو يعمل لدين الملك بل حاربه حيث كان يدعوا لدين اللّٰه من موقعه كعزيز مصر وهذا ما أثبته القرآن على لسان مؤمن آل فرعون في قوله سبحانه

﴿ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب﴾

حتى نستطيع أن نحكم على الوظائف اليوم فيما يعرف بالدولة الحديثة يجب علينا تحديد ما هو دين الدولة الحديثة ومن ثم نحكم على الوظائف تبعا لخدمة هذا الدين من عدمه وهذا ما سأحاول بيانه بصورة مقتضبة جدا في السطور التالية فأقول

إن دين الدولة الحديثة بدأ بالتبلور مع النهضة الأوروبية القائمة على تأليه الإنسان وتم هذا التبلور بعد الحرب العالمية الثانية حيث خضعت الأرض بأسرها لهذا الدين الذي يجعل من الإنسان الحيوان إلها له وذلك من خلال مجموعة من المبادئ كحكم الشعب لنفسه كنظام حكم وحرية التعبير في الإلحاد واستخدم لذلك عدة قضايا يدندن حولها مثل قضية المرأة وحرية الصحافة وسيادة القانون الوضعي، وقسمت الأرض إلى مجموعة دول كل دولة يعمل طاغوتها على تطبيق هذا الدين وجعلوا لأنفسهم اجتماعا سنويا تجتمع في جميع الآلهة وهو ما يعرف بالجمعية العامة للأمم المتحدة، هذا باختصار شديد هو دين الدولة الحديثة التي تدعوا إليه وتسخر في سبيل الدعوة إليه الإعلام والفن الهابط ليجد القبول عند الناس وقد وجده عند أغلب أهل الأرض والله المستعان.

إذا عرف ما سبق سهل التمييز بين الوظائف التي تكون لذات الطاغوت أي المباحة شرعا، والوظائف لدين الطاغوت المحرمة شرعا ومنها على سبيل المثال لا الحصر، وزارة الدفاع وما يتبع لها وزارة الداخلية وما يتبع لها، وزارة العدل وما يتبع لها وزارة التعليم وما يتبع لها باستثناء ما لم يدخل في خدمة دين الطاغوت كأساتذة الرياضيات، والفيزياء والعلوم الطبيعية مالم يدرسوا محرم، وزارة المالية وما يتبع لها من وظائف ضريبية وبنكية ومحاسبة، وزارة الإعلام وما يتبع لها، وزارة شؤون المرأة والشباب وغيرها كثير.

وهذه هي خلاصة الضابط في المسألة أن ما كان من خدمة ذات الطاغوت دون دينه مباح وما كان من خدمة دينه شرك بالله لا يصح للمرء الإيمان إلا بالتوبة منه والله أعلم

أود أن أضيف أن ما كتبته آنفا يتحدث عن ماهية الوظيفة والحكم عليها بناءا على ماهيتها وليس شروط الوظيفة التي تختلف من بلد لآخر، فبعض الدول تشترط في عقد الوظيفة التحاكم لقانونها وهنا تكون كفرا عند قبول هذا الشرط وإن كانت في الأصل مباحة وهذه النقطة مهمة جدا حتى لا يقع الالتباس عند كثيرين . 
author-img
داعية يحاول تقفي أثر الأنبياء في الدعوة

تعليقات

فهرست المقال