القائمة الرئيسية

الصفحات


الحمد لله وكفى وصلى الله على نبيه المصطفى وبعد ..

في المقال السابق تحدثنا عن حقيقة الأرض التي دلسها علينا أعداء الله رغم وضوحها في كتاب الله، وجعلونا نصدق ادعاءهم الكاذب بأن الأرض كلها مقسمة على الدول، وكل دولة لها سلطان على أرضها، ونقلنا آية الله التي تخبرنا أن الأرض واسعة وهي لله عز وجل، وأنهم ليس لهم من الأمر شيء ولا سلطة لهم إلا حيث تواجد جندهم، وأن الأماكن من أرض الله الواسعة لا تخضع إلا لربها سبحانه، وجندهم يستحيل أن يغطي الأرض كلها، هذا ملخص مقالنا السابق، اليوم نتحدث في مقالنا هذا عن أمر في غاية الأهمية لكل مسلم، نتحدث عن أمر مصيري متعلق بآخرتنا ونجاتنا ..

يكمن هذا الأمر في قول الحق سبحانه وتعالى في سورة النساء التي أدعوا كل مسلم أن يتدبرها

{ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا }{إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا }{وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا }

إقرأ هذه الآيات عدة مرات وتدبرها ثم سل نفسك ماهو هذا الجرم العظيم الذي جعل الله يتوعد أصحابه بالوعيد الشديد في قوله "أولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا " ؟

إنك إذا تأملت الآيات لا تجد جرما سوى العيش مستضعفا تحت ظل الطاغوت "كنا مستضعفين في الأرض" وتجد الملائكة تجيبهم بأن الاستضعاف في الأرض ليس بحجة ما دامت الهجرة ممكنة، "ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها".

إن المسلم الحق هو من ينقاد لله وحده ويخضع له سبحانه وحده وكفى به معبودا مطاعا .. فسبحانه أمرنا بعبادته وحده وأن لا نخضع لغيره، إن المؤمن عزيز بإيمانه لا يقبل الذل والهوان لغير الله، لأن الذل والهوان للطاغوت نوع من تقديسه وعبادته، لذلك قال ربنا عز وجل مخاطبا المؤمنين بعد هزيمتهم في أحد:

{ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }
فالذلة والاستضعاف في الأرض نقيض الإيمان ولا يجتمعان، لذلك أرشد الله المؤمن الهجرة في أرض الله الواسعة ليظل عبدا لله وحده في قوله:

{ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ }
ويتأكد هذا المعنى في سورة النساء حينما قالت الملائكة للذين ظلموا أنفسهم خضوعاً وبقاء تحت سلطان أعداء الله، ولم يهاجروا

{قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا }

إذا الجرم العظيم الذي توعد الله أهله بالنار في الآخرة و سوء المصير، هو الاستضعاف في الأرض تحت سلطان الطاغوت وعدم الهجرة في سبيل الله إلى أرض الله الواسعة.
وهل البقاء تحت سلطان الطاغوت لا يعد عبادة وخضوع له؟!
إذا كان ليس كذلك لماذا يكون الوعيد قاسي جدا؟ وهو جهنم وساءت مصيرا ..

انظر لبني اسرائيل وكلام فرعون عليهم ،قال الله تعالى :

{ فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا (( وَقَـوْمُـهُـمَـا لَـنَـا عَـابِـدُونَ )) }

إذا السكن تحت سلطان الطاغوت والخضوع له شرك بالله لأن الخضوع عبادة، والمسلم لا يخضع إلا لله سبحانه خالقه وخالق السماوات والأرضين .. وإن لم يكن كذلك لماذا أوجب الله الهجرة في أرضه لتحقيق عبادته؟ ولماذا توعد الظالمي أنفسهم المعتذرين بأعذار واهية المتخلفين عن الهجرة في سبيله المتألفين لأعداء الله، بالنار وسوء المصير ..؟

إن الهجرة في سبيل الله أمر عظيم، ولا تنقاد كل الأنفس البشرية لما فيه من مشقة ومفارقة للأوطان، لذلك فقط المـؤمنين باللـه حق الإيمان، الذين يعلمون أن الإسلام قول وعمل، وليس مجرد ادّعاء وعمل لا يَصْدق القول، هم من يهاجرون.

إن أمر الهجرة أمرعظيم أوجبه الله عليك .. فإن لم تأتي به ماذا عساك أن تفعل؟

إن لم تفعله اعلم انه يجب عليك فعل ما هو أعظم، ألا وهو الدعوة إلى الإسلام، كما دعا الأنبياء أقوامهم، دعوة مصارحة، ومكاشفة، وبدون مداهنة تـوجـه إلـى الطاغوت نفسه (راجع مقال سمات دعوة الأنبياء) وإعلان التمرد وشق العصا على السلطان.

فإن كنت لا تقوى على مواجهة الطاغوت خشية البطش والتعذيب من عدو الله الطاغوت، فهنا وجب عليك أن تهاجر في أرض الله الواسعة تحقيقا لعبادته، فلا تخضع إلا لله عز وجل .. وإلا فالمصير هو النار ..ولا مفر .. إلا أن تكون ممن أعذرهم الله وهم الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، عذر حقيقي، وليس التقاعد وحب المرء لدنياه وماله على الهجرة في سبيله! هؤلاء لم يستطيعوا ترك حياتهم الدنيوية في سبيل الله، فلا آخرة لهم وهذا قول الحق والحق أحق أن يقال { فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا }

أما إذا آمنت وهاجرت فأبشر بالبشارة التي ذكر الله في قوله:
{ وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}

والحمدلله رب العالمين





تعليقات

فهرست المقال